التجمع في قلب دمشق يكاد يكون شيئا مستحيلا لأكثر من يوم واحد .. فلا يمكن لدعوة علنية للتجمع وسط دمشق أن تنجح على يومين متتاليين وهذا ما حصل يوم 20 12 2011 .. اليوم الذي تلا تشييع الطفلة هالة المنجد في الميدان والذي يعد يوما مفصليا في الحراك الثوري في قلب العاصمة دمشق إذ تجمع عشرات الآلاف من شباب وشابات ونساء ورجال وحتى أطفال العاصمة وما حولها ليهتفوا للحرية والكرامة وإسقاط النظام وإعدام الرئيس.
لم يمر هذا اليوم بسلام كما يجب له أن يكون.. لقد اجتمعنا سلميا ولكن الهتاف كان واضحا صريحا.. الشعب يريد إسقاط النظام.
أطلق الأمن النار على المشيعين فسقط الشاب أيهم السمان شهيدا
في يوم 20 12 2011 وصل المشيعون إلى الميدان لتشييع شهيدها أيهم السمان… كان الحي أشبه بثكنة عسكرية وعناصر حفظ النظام منتشرين بأعداد كبيرة على امتداد منطقة الميدان
خرج الشباب والشابات من سوق أبو حبل (المكان المتفق عليه لبدء التشييع) ليأسهم من إمكانية حصول أي تجمع وخاصة بعد قيام الأمن والشبيحة بتفتيش أي شاب يمر من السوق وتفقد هويته كي يتم الكشف عن أي شاب يأتي من خارج الميدان… القلق من ألا نتمكن من التجمع كان يرعبني… مشيت مع عدد من الفتيات اللواتي لم أكن أعرفهن قبل هذا اليوم على طول كورنيش الميدان والتقينا مع المزيد من الشباب المشيعين الذين قاموا بتحذيرنا بنظرات العيون والهمسات المتوترة أثناء مرورهم بجانبنا أن عودوا لأن الأمن يقف قريبا منا…… غيرنا اتجاهنا وبقي أملنا بأن يحدث تجمع ولو صغير تعبيرا عن غضبنا…… سمعنا أصوات تكبير من بعض الشبان الذين كانوا على مقربة من باصات الأمن والشبيحة الذين توزعوا على طول الكورنيش تحسبا لأي تجمع……. مشينا ناحية الصوت الذي تغير من التكبير إلى أصوات رصاص يُطلق.
قام الأمن باعتقال عدد كبير من الشبان وتم اعتقال شبان أيضا لم يشاركوا بالهتاف….. أثر بي كثيرا مشهد اعتقال الشباب تعسفيا وضرب بعضهم وهم أخوة لي في الوطن وكان هذا أيضا على يد أخوتهم في الوطن……. كانت (المشيعات) أيضا قد شهدن ما شهدته وقد تجادلت إحداهنّ مع عناصر الأمن وشاركتها فتيات أخريات لكي يطلقوا سراح الشبان الذين أصبحوا مشروع اعتقال قصير أو طويل الأمد… رفض عناصر الأمن طلبهن واعتبرهن مجموعة من الحشريات اللواتي لا يفقهن بما يقتضيه الحفاظ على أمن الوطن!
جلست هؤلاء الفتيات على الرصيف المنصف مقابل مركز ا متي ان كي يتم إطلاق سراح الشبان الذين لم يعرفوهم قبل هذا اليوم…!
لقد خبرت شعورا جديدا لم أعرفه من قبل .. هو أن كل إنسان يشاركك النضال من أجل هدف كبير كالحرية يصبح أقرب لك من أخيك الذي تشاركه المسكن والمأكل والكنية ولا يجد أن قضيتك تسأهل الموت في سبيلها
تشعر به وكأنه شخص تعرفه منذ سنين وأن مصيره يتعلق بمصيرك لذلك تجد نفسك تلقائيا تسعى للدفاع عنه وحتى التضحية كي يعيش
طلب رجال الأمن منهن المغادرة وشهدنا هذا النقاش فاقتربنا منهن وجلسنا معهن…. كنا حوالي 20 امرأة… طالبنا بالشباب الموقوفين دونما أي ذنب اقترفوه سوى أنهم كبروا… الله أكبر!
استهزأ الشبيحة من طلبنا… شهد شاب نجا من الاعتقال هذا الاعتصام النسائي وهو شاب من الميدان يدعى عبد الرحمن
وقف إلى جانبنا يحاول أن يقنعنا بالعودة إلى بيوتنا… إحدى الفتيات استفزها طلبه فقالت له :إن كنت خائفا فيمكنك العودة إلى بيتك أما نحن فلن نغادر إلا بإطلاق سراح الشباب المعتقل…
جُرح الشاب في كرامته فقال لها: أنت هنا تجلسين مكاني وتطلبين مني أن أعود إلى بيتي؟؟
الأمن والشبيحة من أمامنا وخلفنا بأعداد كبيرة وبالبنادق حائرين كيف يتصرفون مع مجموعة من الفتيات اللواتي يدافعن عن خائني الوطن!!
هتفنا… ياجيش دافع عني أنا أختك أحمي دمي.. الجيش والشعب إيد وحدة… سلمية سلمية… بدنا المعتقلييييييييين بدنا المعتقلين.
استفزهم الشاب الذي كان بموقف حرج وحيدا أمامهم مع 20 فتاة… قاموا بأخذه أيضا!! اعتقل الشاب الذي لن أنساه ما حييت والذي لم أعرف سوى اسمه الأول….
صرخنا: بدنا عبدالرحمن بدنا عبدالرحمن….. كعادتهم في الكذب قالوا لنا أنه لم يتم اعتقاله هم فقط سؤال وجواب… عاودنا الصراخ باسمه….. كان منهم من يأخذنا بالسياسة كي نفك الاعتصام ومنهم من يشتمنا بأقذع الألفاظ… وأننا فتيات بلا شرف لأننا نجلس على الرصيف … ومنهم من هددنا صراحة بالتصرف كما تصرف الجيش المصري مع متظاهرة وقام بسحلها وتعريتها قائلا: بدكن يصير فيكن متل البنت المصرية؟؟
منهم من طمأننا أنه لن يتم اعتقالنا إذا تفرقنا…
كان مطلبنا واضحا أن أطلقوا سراح الشبان….. هددونا بأن يأتي معلمهم لكي يتفاهم معنا……. وعندما أتى فعلا أراد تمييع المطلب بقوله: ما هي أسماؤهم؟؟ أجابته إحداهن: لا نعرفهم من قبل إنما رأينا اعتقالهم أمام أعيننا دون قيامهم بأي جرم… أرادوا إقناعنا أنهم يخونون الوطن….. السيدة الأقوى بيننا والتي تعلمت منها الكثير أجابته بأنهم الوطنيون وأنتم الخونة فهم يدافعون عن وطن وأنتم عن شخص….
بقينا حوالي ساعة ونصف وتم خلالها إيقاف السير ثم عادت السيارات تمر من أمامنا وإذا حاولت استطلاع الأمر كانوا يقومون بضربها بأيديهم بقوة… تدخل أهالي الميدان لإقناعنا بفك الاعتصام ممن سمحوا لهم الاقتراب منا فقط بهذا الغرض…. اقترب حلول المساء فقررنا أن نغادر كلنا معا لكي لا يتم اعتقالنا بعد تفرقنا .. مشينا أيدينا متشابكة نهتف سلمية سلمية.. حرية حرية .. بدنا المعتقلين.. إلى ساحة البوابة… وسط ذهول المارة سائقي السيارات… حاولوا إقناعنا بالركوب بباص أمن إيصالنا إلى بيوتنا!! صرخنا أننا نعرف الطريق… الشبيحة يتبعوننا ويسمعون هتافنا والبنادق بأيديهم بمنتهى الجبن… اعترضنا طريق باص لا على التعيين .. وركبناه وقد كان به بعض الركاب الذين حيونا بنظرات عيونهم بعد فهمهم أننا ملاحقون … السائق مشى مسافة قصيرة كافية لتضليل الأمن وطلب منا النزول فورا.. احترمت جبنه .. نزلنا وتفرقنا…
[youtube=http://www.youtube.com/watch?v=yGeuWITO1E4&feature=share]