دمشق 13 حزيران 1967 ( المكان : بوابة الميدان ) كنت شاهدا طفلا لمشهد لا يتكرر في الاف السنين : جيــــش بالآلاف عائد من ارض تائهة .. شــبه عار منهك لا يتكلم ويمشي بصعوبة على اقدام متورمة بلا اسلحة ولا طلقات… كان الجنود شبه عراة تحت شمس لم ترحمهم فصبغتهم ببصمتها الحارقة .. عيونهم بعيدة ومغيبة …يطلبون ماءا ..ماءا … فقط…..الجندي يستند على كتف أقرب ( مدني ) كانه حضن اب. اهل المــيدان جميعا وبلا اسـتئناء جهزوا طاولات الطعام للجنود الجائعين الصامتين ..كل مافي البيوت من طعام فرد على الطـــــــــاولات التي جهزت سريعا لجيش خجل صـــــــــامت مهزوم…كان مطعما طويلا لاكثر من كيلومترين من الطاولات المصــــفوفة على الطرفين يأكل فيه الصامتون المرهقون .كان جيشا سوريا مفروطا خجلا..لذا لم ينبسوا ببنت شفة . لا سيارات عسكرية لا رتب ولا ضباط ……جنود فقط …..المضيفون يتحركون بسرعة ويأمرون باستدراك النواقص والمياه …كانوا يحاولون النظر في عيون الجنود الذين اكلهم التعب والخجل…لكن الجنود لم يستطيعوا التحديق في عيون شعبهم ..ولم يحاولوا تقديم اي تبرير ….رغم ان احدا لم يسالهم ….كان اهل المــــــيدان رجالا كما عرفوا .حييوهم ..وعانقوهم….وطيبوا الخواطر .. وحييوا شجـــــــــاعة لم يقتنع بها اصحابها …كان الجو ضاغطا حادا مميزا وقاتلا
على الروح السورية الممتده فوق المكان….كان صامتا وهادئا كقيامة جيدة التجهيز.
حماه : 10تموز 2011: المكان : مدخل المدينة : انا ما زلت انا : نفس الجنود …لقد انتصروا هذه المرة …بنفس الخصور النحيلة التي شوهدت في مدخل دمشق 1967 يعتلون دبابات الدولة ..فلا يضطر الجنود للعودة مشاة بأقدام دامية ..يرفعون عيونا مبتسمة منتصرة لاخجل فيها من هزيمة قديمة …..اصابعهم مرفوعة لترسم حرف الانتصار ..لقد انهوا وجبة لحومهم فلا جوع اذن …لقد انتصروا على مضيفيهم القدامى … وانهوا تمردات الخـــــدج في الحاضنات الزجاجية …لقد افرغت المدينة العنيدة من ارادات الاعتراض المشبوه ….وسقطت والى الأبد الهزيمة القديمة بالانتصار الجديد ….الآن لا حاجة لهم لمائدة المدني السوري (المخصصة للهزائم) …كانوا رجالا ..حقيقيين …بذاكرة ميته ….لم يذكروا الحادثة القديمة ……..التي استمرت بظلالها الثقيلة خمسين عاما…….. اطلقوا نيرانهم جيدا هذه المرة ….وردوا اعتبارهم الساقط …..كانوا احرارا … .رجالا …شجعانا …واوفياء ………
.كان الجو مفتوحا للضجيج ولمحركات الدبابات …الموالون يهللون …وجثث المدنيين …تسترخي بهدوء على الأرصفة ……الماء متوفر …..والشمس اكثر سماحا ….كان يوما مريحا …صالحا لصناعة الشرف .
_______________________
حسين بهاء الدين
تعليقان
معبرة جداً… وجميلة إلى درجة البكاء … أشكركَ
كلمات رسمت بماء الذهب …..شكرا لك …ولجهدك