لطالما كانت سوريا بلد يعج بالأزمات و الأفكار الخلاقة. لم نكن في يوم من الأيام في حالة سكون أو حتى تراجع متل التي مررنا بها في زمن البعث فنحن في زمن البعث لم نقف في مكاننا حضاريا فقط بل وقفنا على حزام متحرك موضوع على ناقل يسير إلى الخلف بينما نجاهد نحن في سبيل الحراك إلى الأمام.
لحسن الحظ فالموضوع لن يطول أكثر من جيلين عجاف، جففت خلالهما مصادرنا الفكرية و ابداعاتنا و مراكز قوه شعبنا و وحدته، فالتركيبة السورية القائمة على التعددية و التناسف بين الطوائف و التحدي في سبيل الافضل، ليست باي حال كالحاله المرضيه التي نعيشها اليوم. و هانحن اليوم نجاهد لانكار مكوناتنا و ندفع بأسس نجاحنا السابق بعيداً.
الانتماء ليس مرضاً، ليس عاراً و ليس مشكلة لنحاول التخلص منه.
المشكلة الحقيقية تكمن في الخوف من انتماء الآخر أو من فكره الاقصائي المعلن أو المخفي، والذي بدوره يتحول فينا الى اقصاء مشابه لمخاوفنا، بل يفوقه بشاعة و النتيجة مجتمع يظهر التعايش و يضمر الخوف من الصديق والجار.
يبرز اليوم هذا الشعور في المرحلة الثورية التي يعيشها المجتمع السوري، فنحن نبني الثقة بين أطيافنا و لمدة خمسة أشهر، لم ننجح خلالها بتكوين كيان واحد جامع متفق مع كل القتل و التوتر المنشور بأجوائنا. و لنكن منصفين بحق الشعب و الثوره فهذا التأخر طبيعي أمام العوائق الموروثة و المصنّعة و طبقات الحلول المسبقة القمعية المرسومة في مطابخ القرار المخابراتي البعثي فنحن جُهِّلنا في ثقافة الحوار و التعايش لمدة أربعين عاماً…
أما الآن و لنكون مفيدين وواقعيين فلا بد أن نبدأ بالوضع الراهن و تضاربات القرار و أولوياته في المجتمع، حيث تطرح اليوم مشكلة هي:
هل نريد دعماً خارجياً ام لا ؟
هل نريد تدخلاً أجنبياً ؟
هل نريد تسليح الشعب أم لا ؟
لنجاوب بدقه يجب أن نبدأ من كوننا و حسب المظاهرات (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد) و هو مالم يتحقق مئه بالمئه ليومنا هذا. نحن متعاطفون مع كل سوري لكننا لم نصل إلى مرحلة الانخراط بالعمل الكامل كمجتمع موحد في سبيل وقف القتل. طبعا التعليق الأول هو : لا توجد ثوره شعب ينخرط بها كامل الشعب ……..
نعم لا ينخرط كامل الشعب في ثورة و لكن نحن في سوريا تغاضينا عن القتل و هذا موقف انساني و ليس سياسي حتى نختلف عليه . هنا نعود ببعض المسببات الى ما بدأنا به من نقص القدرة على الحوار الحقيقي لندرك به الفارق بيننا و بين الآخر و بين المكونات الاساسيه الفاعله في دفع عجله القرار لهذه الفئه او تلك .
بعد المقدمه نعود للجواب على الاسئلة.
نعم هنالك من يرى أن التدخل او التسلح هو مطلب مشروع فهو يقتل و يذبح بدم بارد و يجوع و يهان إلى حد يفوق قدرة الانسان على الصبر. ثم نشاهد على الجانب الآخر من القصة المنطقة الأخرى و هي بالكاد تتحرك و يحدث بها تظاهرة أو اثنتان كحد أقصى بالأسبوع. فيزداد غضبنا اتجاه هذه الفئات و نبدأ برفع الصوت باتجاههم مطالبين اياهم بالتحرك، و نذكرهم بخطاب الوحدة الوطنية المفرغ بالممارسة من مضمونه. النتيجة : اضعف كثيرا من المطلوب …. ثم نعيد الكره بصوت اعلى و ألفاظ أشد و كأن المحاولة الأولى اتت بالنتائج المرضية الفاعلة . مثلنا بذلك مثل النظام الذي لا يزال يستعمل العنف و القمع بالرغم من تزايد المظاهرات …….
العامل الاول اذا: استعمال نفس الحلول الغير ناجحة و الدفع بنفس الاتجاه بالرغم من بطئ وصول النتائج المرجوة أو عدم وصولها.
كل فئه أو منطقة ارتبطت ثورتها بحالة دافعة منعزلة و مستقلة عن حراك المنطقة الأخرى، فقيام درعا لم يكن السبب الوحيد لقيام دوما مثلا… مع مراعاة أن ظلم النظام هو العامل الأساسي المشترك بين الجميع. الخطاب الفردي طابع لكل ثورة مناطقية تفردت بأسبابها بالرغم من تشابه الجوهر. حيث لم يراع الآخر و لم تكن ردات فعل شارعنا إلا خطاباً انفعاليا غير مبني على حل المشكلة بل على الانفجار في السبب و بعثرة المسبب ….. ثم الانعزال و التعاطف . يجب ان لا ننكر أن اغلاق المناطق لعب دورا جيدا مع بدايه الحراك و لكن نتائجه طويله الامد لم تنتظر كثيراً لتتجلا في شكل التنسيقيات.
و افتراق اشكالها و الوانها و خطابها المحلي المحصور في ثقافة أهل المنطقة …….
العامل الثاني اذا : الثوره السورية لم تصنع لتصدر إنما نتجت عن شكل أهل كل منطقة و معاناتهم الخاصة مع نوع الظلم الممارس.
الأقليات عانت طويلاً و ستعاني للأبد من شعور لن تفهمه الأكثرية …… أن تكون أقلية هي معاناة بحد ذاتها تحمل في ما تحمل شعورا بالضعف و تجبر أهلها على أخذ موقع المدافع في كل حركة أو مفصل حضاري او مفترق طرق يحمل تغيرا غير واضح المعالم. و الثورة السورية حتى الآن لم ترسم اي شكل واضح للمستقبل او لشكل توزع القوى في داخل سوريا. و مع انعدام الثقه المذكور سابقا …..
العامل الثالث اذا : الأكثريه لم تقدم ضمانات للأقليات بل وطالبوهم بتأديه الواجبات بدون التطمين على الحقوق.
نم يفرض علينا التنويه : القتل الآن يحصل بأعلى مستوياته في : درعا – ريف دمشق – حمص – حماه – دير الزور – اللاذقيه هي المحافظات الاكثر تضررا و يتعالى فيها الصوت المنادي بالتدخل الخارجي
ولكن يبدو انهم ينسون التوزع الحقيقي للقوه العسكرية في سوريا …… ان اي تدخل عسكري يعني ضرب : دمشق … السويداء … درعا …. الرقه …. و حمص . مما يعني ان الضربه العسكريه لن توجع من يطالب بها فقط ولكنها ستنزل بمن لا يريدها و من لم يطلبها مما يرفع شق الصف و يدخل في نطاق العامل الأول و هو استعمال الحلول القديمة الغير ناجعة و الاصرار عليها.
ثم ان المطالبين بالتدخل العسكري ينسون بالنتيجه ان هناك أطياف في المجتمع لم تزل على الحياد و لم تدخل الحراك و طلب التدخل لن يكون عاملاً مساعداً بدفعهم لموقف ايجابي تجاه الثوره.
لماذا نقف اليوم نفس الموقف العدائي من الآخر؟ و لماذا لا ندرك أن الحل المطروح ان لم يثبت نجاحه يجب ان نبحث عن حل بديل؟ لماذا لا تكون مبادراتنا منطويه على دفع الباقي من الشارع للحركة؟
لماذا تهمل الأكثريه الى اليوم تطمينات الأقلية؟ لماذا لا نشهد تحرك سني ليبرالي مشترك باتجاه الأقليات لتطمينهم و عزل النظام و رفع مستوى الانشقاق حول النظام و اتباعه؟
لماذا نبقى دائما في اطار المتوقع منا يضربونا فنصرخ …. يضربون اكثر فنصرخ أكثر؟
اليوم لدينا حلين أحلاهما مر : إما أن نقتل و لا نرد و إما أن نقتل بالمقابل و لن ينتهي القتل عندما يعتاده الناس…
إما أن ندخل آخراً يقتلنا مع النظام المختبئ بيننا فهذه خطوة أتمنى أن لا أراها في بلادي…
————————–
ورد حـداد