أبو علي حسن
————————
منذ أن بدأ الشعب السوري يعي ضرورة التغيير في سوريا، ومنذ أن بدأ حراكه الثوري الهادف إلى التغيير، لم يتبنَّ أي حزب أو مجموعة سياسية قيادتها لهذا الحراك، ذلك أنه بالفعل لم يكن لأي منها أي دور في الحراك الثوري على الأرض.
وفي الوقت الذي أصبحت الثورة السورية محطّ أنظار العالم، بات من الضروري اختيار هيئة سياسية تمثل هذا الحراك على الصعيدين العربي والعالمي. وعلى اعتبار أن أحداً لم يجرؤ على تبنّي هذا الحراك، فقد قام الثوار على الأرض باختيار ممثليهم بناء على نشاطات هذه الشخصيات سواء من الداخل أو من الخارج، ما أدّى إلى تشكيل المجلس الوطني، وغيره من الهيئات، والمشكّل من تلك الشخصيات التي دافعت بشراسة عن حقوق الشعب السوري في الحرية والكرامة والديموقراطية والمشاركة السياسية الفعلية في الدولة.
إلى هذا التوقيت لم يكن النظام بوارد الحوار مع أية هيئة سياسية في الداخل أو الخارج، وكان لتشكيل المجلس الوطني أكبر الأثر على سرعة اتخاذ القرار داخل النظام للحوار مع المعارضة، إلا أنه فصّل تلك المعارضة على قياسه. فهو يعلم تماماً قدرة كل هيئة سياسية في البلاد، وسقف مطالبها، ويعلم تماماً أنه لن يصغي إلى مطالب الشعب. بل ولم يكن مستعداً إلى الإصغاء لصوت العقل والمنطق في معالجة الأزمة التي بدأت تتجه نحو التدويل، ما يعني أنه لن يستطيع حينها التحايل على الشعب كما كان يفعل عقب كل أزمة يقع فيها.
رفع الثوّار على الأرض اللافتات التي تشير إلى دعمهم للمجلس الوطني السوري، وأكّدوا مراراً وتكراراً أنه يمثل الشعب السوري في المحافل الدولية. وهذا القرار وضع مسؤولية العمل السياسي بشكل كامل في أيدي هذا المجلس، بغضّ النظر عن الانشقاقات العسكرية التي شكّلت الجيش الحرّ، والمجلس العسكري الحرّ، وغيرها من التنظيمات العسكرية التي لم يكن للمجلس أية علاقة إلا فيما بعد، حيث اكتشف المجلس الوطني أنه غير قادر على تحرير سوريا من نظام الحكم القائم إلا من خلال ضربات عسكرية، داخلية وخارجية. ومن خلال الدعم الحقيقي للجيش الحرّ الذي بدأ يأخذ دوراً بنّاءً في حماية المدنيين المتظاهرين، الشكل الثوري الأكثر تأثيراً على النظام.
إلا أن هذا المجلس كممثل للثورة لم يكن بمستوى المسؤولية التي أُلقيت على عاتقه. فمن ناحية لم يستطع المجلس إلى الآن أن يؤثر على دول العالم للاعتراف الحقيقي به، وإن كانت تونس قد أعلنت صراحة أنها تعترف بالمجلس كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، إلا أن غيرها من الدول وإن كانت تتعامل مع المجلس إلا أنها لم تعترف به صراحة بأنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري.
كما لم يستطع هذا المجلس، إقناع دول أصدقاء سوريا إلى الآن بالتبرع بشكل صريح وكافي لاستمرارية الثورة وبقوة ضد النظام السوري، ولا زالت إلى الآن أغلبية التبرعات تأتي من الشعب السوري في الخارج والداخل من الميسورين. وهذه التبرعات بالطبع غير قادرة على مجاراة قوّة نظام يمتلك كافة أشكال القوّة في الداخل (العسكرية والسياسية والاقتصادية)، هذا إذا ما تناسينا القوّة التي يستمدها علناً من بعض الدول الصديقة والموالية له كإيران وفنزويلا والعراق وروسيا والصين. وبعض الميليشيات التي تؤيّد نظام حكمه، كونها ستكون في خطر إذا ما تعرّض هو للخطر، أمثال حزب الله اللبناني الإيراني، وميليشيا مقتدى الصدر في العراق.
إضافة إلى كل ما ذُكر وهو الأهم، أن المجلس الوطني السوري أغلبه تمّ تشكيله من معارضين أكاديميين، لم يعملوا في المجال السياسي مسبقاً، وعلى رأسهم رئيس المجلس الدكتور برهان غليون، مدرّس علم الاجتماع في جامعة السوربون في فرنسا. هذا الأمر أدى إلى فشل المجلس في كثير من المواقف التي وُضع تحت الاختبار من خلالها. كفشله في إقناع روسيا أو الصين بحقّ الشعب السوري في التحرر من القبضة الأمنية للنظام، وحقّه في تقرير مصيره كأغلب شعوب العالم المتقدم، وبعض شعوب المنطقة التي ثارت ضد ديكتاتورياتها وأزاحتهم من خلال ثورات شعبية مماثلة. وفشله في إقناع الجامعة العربية باتخاذ إجراءات أكثر صرامة بحق النظام السوري. لهذا الفشل أسباب تبدو واضحة للعيان ومن أهمها:
1- اختراق المجلس من قِبَل بعض الشخصيات التي لا زالت تتعامل مع النظام بشكل أو بآخر.
2- تعنّت المجلس الوطني في اتخاذ قراراته بعدم توسيع إطار هذا المجلس من خلال موقف الثوّار الذين أكّدوا أن المجلس هو الممثل الوحيد لهم، ومن حيث أن هؤلاء الثوّار هم من سمّوا المجلس بالاسم.
3- اعتقاد المجلس أن عليه التعامل بكل شرف وأخلاق ووضوح مع الدول الأخرى، من خلال التزامه الأخلاقي مع الثوّار، ما أدى إلى التعامل مع القضايا السياسية من خلال الشرف والأخلاق، وهذا التعامل لا يتماشى مع العمل السياسي.
4- افتقار المجلس إلى الوسائل الإعلامية اللازمة، لشرح وتوضيح حق الشعب السوري في ثورة كرامته ضد الطغيان والجبروت والذل والقهر. كذلك افتقاره إلى الشخصيات الإعلامية القادرة على التحدث بشكل مقنع للأطراف التي لا زالت غير مقتنعة بهذا الحق.
5- افتقاره للحنكة السياسية بشكل عام، ما أدّى إلى اعتباره غير مكتمل أو ناضج بما يكفي لقيادة المرحلة الانتقالية في سوريا. مما حذا بمجموعة كبيرة من الدول للقول إن المجلس ليس مستعداً في الوقت الحالي، وعليه أن يعمل على أكثر وأكثر ليصبح أكثر إقناعاً وتمثيلاً للشعب السوري بشكل عام.
6- عجز المجلس الوطني عن إعادة تشكيل البنية الأساسية للمجلس، بما فيها تغيير رئيس المجلس حسب الاتفاق الأساسي لتشكيله. حيث نصّ الاتفاق على تغيير رئاسة المجلس كل ثلاثة شهور، بينما في الأشهر الثمانية الأولى لتشكيله استلم رئاسته الدكتور برهان غليون. وإن كنت أعتقد أنه الأقدر على القيام بإدارة العلاقات الدولية أكثر من غيره، إلا أن الديموقراطية التي تُمارس في المجلس ستنعكس إيجاباً على مفهوم الديموقراطية للمواطن السوري، الذي غاب عنه هذا المفهوم لسنوات طويلة، عمد حكم الحزب الواحد إلى تغييبها للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، كان ممكن أن تدوم إلى الأبد فعلياً.
7- إن لجان التنسيق المحلية بتهديدها بالانسحاب من المجلس الوطني بعد عجزه عن إعادة هيكلة نفسه، سيؤدي إلى ضعف كبير في كلا المجلس ولجان التنسيق، ما قد يؤدي إلى شرخ كبير في المعارضة، لن يلتئم بسهولة بل قد لا يلتئم نهائياً، مما يضطر امعارضة إلى البدء من جديد لتوحيد قواها، بينما تعتبر الآن قد قطعت شوطاً لا بأس به في هذا المحور.
هذا، وإن كنت قد أتيت على أهم مواطن ضعف القائد السياسي للحراك الثوري بشكل عام، فإنني لا أنكر وجود غيرها من مواطن الضعف.
أخيراً لا بد من التنويه إلى أنه وحتى إن فشل المجلس الوطني أو أي هيئة أخرى، في قيادة الحراك الشعبي بالشكل المطلوب إلا أن الشعب السوري العظيم مستمر في ثورته، مستمر في محاولاته لنيل حريّته، واستعادة كرامته، والحصول على كافة حقوقه، بما فيها تأسيس الدولة المدنية الديموقراطية التي ستحفظ لكل السوريين دونما استثناء كرامتهم وحقوقهم. هذا الشعب لن يتراجع عن ثورته حتى ولو وقفت في وجهه كل قوى العالم، فهو قد اختار “الموت ولا المذلّة”.