قالها الشاعر قديماً، وكأنه يصف حال الأشباه والنظائر في كل حين:
يعطيك من طرف اللســــــان حلاوة و يروغ منك كما يروغ الثعلب!
هكذا كان حال النقيب عبد الناصر شمير أبو النصر، مهندس صفقة تبادل الأسرى، عندما كان يحاور نظام الملالي وتابعيه، من أجل إطلاق سراح الأسرى الثماني والأربعين من منتسبي الحرس الثوري الإيراني، الذين جاؤوا (يحجون) في دمشق، في الوقت الذي كان السوريون لا يستطيعون أن يصلوا إلى بعض الجوامع القريبة منهم بسبب الحواجز والقصف والعمليات العسكرية التي تملأ البلاد طولاً وعرضاً.. ولكن لواء البراء التابع للجيش الحر، أحسن استقبال هؤلاء (الحجاج) الباحثين عن شحنة مغامرة وأدرنالين حربية في مجسمات المدن السورية، حين تمكن من أسرهم في آب / أغسطس من العام 2012.. في عملية أثارت جنون النظام وذهوله!
على مر أشهر عدة، كان على النقيب عبد الناصر، ابن مدينة الرستن في الريف الحمصي، أن يواجه نمطاً فريداً من المراوغة في المفاوضات، امتزج فيه مبدأ التقية الطائفي بالتلاعب السياسي، بمحاولات التهرب من استحقاق التفاوض مع جيش حر يرى في شرعيته الوطنية نداً للتبعية الفارسية لنظام الأسد. وقد انتصر على هذا كله بالنكتة الحمصية تارة، وبالصبر الجميل تارة أخرى!
قاوم النقيب عبد الناصر محاولات رشوته، ورفض افتداء حرية أسرى الحرب الإيرانيين بالمال، وبالمليون دولار الذي عرض لقاء كل أسير، لأنه كان يفاوض على حرية هؤلاء المعتدين، باستعادة حرية المعتقلين من أبناء سورية المعتدى عليهم. وعبر الوساطة التركية- القطرية، نجح النقيب عبد الناصر في أن يبقى ثابتاً عند مطالبه، عنيداً في رفض مغريات التخلي عنها… وكانت قوة وتماسك الجيش الحر في غوطة دمشق الشرقية، حيث يترأس النقيب عبد الناصر المجلس العسكري، كفيلة بأن تفشل كل خطط النظام لاستعادتهم بالقوة، أو لقتلهم وتدمير دوما على رؤوسهم من أجل اتهام الثوار بوحشية التعامل مع الأسرى!
ووسط كل هذا الفشل، كان نظام الأسد يلوك إحراجاته المتتالية بجنون، فعورة ضعفه وقلة حيلته على الأرض، انكشفت أمام حليفته طهران… أما بعد إتمام الصفقة، فقد كان إحراج النظام الأشد أمام منحبكجيته وأبناء طائفته، الذين اكتشفوا – حقيقة لا مجازا- حجمهم الحقيقي مقارنة بالإيرانيين الذين فضلهم عنهم، فلم يطلق سراح أي سوري إلى جانبهم، حتى على سبيل ذر الرماد في العيون لأنه ببساطة لم يكن يقيم لهم وزناً وربما لم يخطروا على باله!
حقق النقيب عبد الناصر الذي سبق أن أعلن انشقاقه عن جيش الأسد في الرابع من نيسان / إبريل 2012 ليعلن مباشرة عن تشكيل كتيبة البراء في الغوطة الشرقية بالتاريخ ذاته، حقق انتصاراً سياسياً مذلاً على نظام بات يعقد صفقة تبادل أسرى مرغماً مع من يسميهم: (إرهابيين) و(عصابات ومسلحة) وبدت هذه العصابات أكثر حرصاً على حياة وحرية السوريين من النظام الذي يدعي – بصفاقة- أنه ممثل للسوريين، أما الهيئة التي خرج عليها الأسرى الإيرانيون، فهي كانت تكشف للقاصي والداني أخلاق التعامل مع الأسرى لدى الجيش الحر، في مقابل الصورة المزرية والرثة التي أفرج فيها النظام عن أسرى سجونه الوحشية متجاوزا سفالة أعتى سلطة احتلال في التعامل معهم!
سبق للنقيب عبد الناصر أن خاض العديد من المعارك ضد جيش الأسد، وفي 2012 شكّل المجلس العسكري في الغوطة الشرقية، وفي 5/8/2012، تمكن مع كتيبة البراء من أسر 48 من الحرس الثوري الإيراني، إلا أن كل هذا السجل العسكري كانت جولات محارب مع آلاف المحاربين الآخرين من أبطال الجيش الحر… أما صفقة تبادل الأسرى التي تمت في 9/1/2013 ، فقد كانت معركة فريدة سددت ضرباتها نحو مفهوم انتزاع الشرعية، وإحراز أهداف سياسية ومعنوية، سيذكرها السوريون طويلاً، وسيذكرون هدّافها ومهندسها!
المصدر: أورينت نت