فجأة ودون مقدمات دعا مجلس التعاون الخليجي الجامعة العربية للانعقاد لمناقشة الوضع المتدهور في سوريا. ورشحت معلومات عن مصادر داخل الجامعة تحدثت عن قرارات قوية ينتظر أن يتخذها المجلس ارتقت إلى تجميد عضوية نظام بشار الأسد في الجامعة. انتظر السوريون هذا الاجتماع متأملين أن ترتقي الجامعة إلى مستوى شلال الدم المسفوح في شوارع سوريا وهم متأملين أن العرب سيستيقظون أخيراً من سباتهم.
عقدت الجلسة متأخرة ساعتين ويا ليتها ما عُقدتّ! حيث استطاع النظام بالتعاون مع الدكتاتوريات العربية الأخرى، التي لا تقل إجراماً عنه، أن يُعطل هذا القرار عندما وقف سفاح دارفور وبلطجي اليمن وجنرال الحرب في الجزائر وقائم مقام نظام الملالي في لبنان إلى صف الجلاد. فهذه الأنظمة توازي نظام بشار سوءاً إن لم تتفوق عليه، فكيف إذن تُعرض نفسها لخطر المعاملة بالمثل في المستقبل! تمخض الاجتماع بعد هذا التعطيل عن إحياء مسخ المبادرة العربية التي رفضها النظام والمعارضة على السواء؛ تمخض الجمل فولد فأراً ميتاً.
ومن الواضح أن النظام الأسدي قد بدأ يطبق تشبيحه في الجامعة العربية فكلمة مندوب بشار السيد يوسف أحمد مليئة بعبارات التهديد المبطن والمباشر بأن أي تدخل عربي أو غير عربي سيكون له عواقب وخيمة على الدول العربية كلها قائلاً:
«إن عواقب التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية سيرتد بشكل خطير على المجتمع العربي وأزمات أي بلد شقيق لا يمكن أن تصبح وسيلة لتصفية الحسابات لخدمة أجندات رسمها البعض في الخارج وإلباسها ثوبا زائفا يدعى حماية المصالح العربية والأمن القومي العربي». والتوقيت كان غريباً ومريباً للنظام فبأي حقٍ يقاطع العرب انهماك النظام الأسدي بقتل الشعب السوري!
وقام السيد يوسف أحمد بالرد على المبادرة العربية من خلال تقديم مبادرة مضادة من أجل نشر الديمقراطية في العالم العربي (فكان كالعاهرة تحاضر في العفاف) إلا أن هذه المبادرة أغفلت بعض جوانب الإصلاح التي كان يتوجب على السيد الأحمد ذكرها ضمن بنود المبادرة الأسدية، وهي:
1) الجانب العسكري: نشر الدبابات في الشوارع بمعدل دبابة لكل مائة مواطن لرفع ثقافته العسكرية من خلال تجريبها عليه مباشرة تمهيداً للتحرير الشامل للأراضي العربية المحتلة (باستثناء الأحواز طبعاً)؛
2) الجانب الطبي: إطلاق قطعان الشبيحة في الشوارع العربية بمعدل شبيح لكل ثلاثة مواطنين حرصاً عليه من يُصاب بمرض الحرية القاتل؛
3) الجانب الاجتماعي: تعزيز العلاقات الاجتماعية للمواطنين العرب من خلال لم شملهم في السجون وأقبية المخابرات؛
4) الجانب الاقتصادي: القضاء على البطالة من خلال تعيين عناصر مخابرات جديدة بمعدل عنصر مخابرات لكل مواطن.
شكلت الجامعة العربية بموجب مبادرة الأنظمة العربية لجنة برئاسة قطر وعضوية عُمان ومصر والجزائر والسودان ونبيل العربي. ويضمن النظام الأسدي صوتين في هذه اللجنة هما الجزائر والسودان واحتمالية أن يصطف نبيل العربي معه أيضاً. فدور العربي مشبوه منذ بداية الثورة عندما أغدق على بشار الأسد المديح ووصفه بالإصلاحي في زيارته الأولى لسوريا وانتقد حينها تصريحات المجتمع الدولي بأن النظام الأسدي قد فقد شرعيته ما أسهم بتراجع حدة الضغوط الدولية على الأسد وأرسل رسالة سلبية للمجتمع الدولي. ولعرض المبادرة قام العربي بزيارة ثانية رفض الأسد منحه شرفها بداية ثم تكارم عليه وأعطاه موعداً عاد وأرجأه ليؤدب العربي لأن الأخير اقترف إحدى الكبائر للقائه بالمعارض هيثم المالح في القاهرة! ثم ليتوّج العربي كل ما سبق بادعائه أن المعارضة السورية هي من طلبت عدم تجميد عضوية النظام الأسدي الجامعة متجاهلاً طلباً بهذا الشأن قدمه “المجلس الوطني السوري” الممثل الشرعي للثورة في سوريا الذي تنضوي تحت لواءه أكثر من 80% من قوى المعارضة السورية.
لقد منحت مبادرة العرب الأسد خمسة عشر يوماً جديداً تُضاف إلى خمس عشرة يومٍ منحها له رجب طيب أردوغان، الذي قال إنه سيفرض عقوبات على النظام الأسدي ثم مات الموضوع مع موت أمه، وخمس عشر يومٍ منحها له الروس سابقاً والآن تلوح في الأفق خمس عشر يوم جديدة قد تمنحها له مجموعة دول البرازيل والهند وجنوب إفريقيا والله وحده يعلم من سيمنح النظام خمس عشرة يومٍ جديدة لكن الأكيد أن من يدفع فاتورة كل هذه الأيام هو الشعب السوري من دمه وخيرة شبابه.
ستكلف الأيام العربية الخمس عشر سوريا، حسب متوسط عدد الشهداء في اليوم، 375 شهيداً إن قدرّنا عدد من سيرتقي إلى العلى بخمس وعشرين شهيداً فقط لا غير في اليوم الواحد! وقد ارتقى إلى العلى في اليوم الأول من المهلة 36 شهيد لا غير. لقد أصبح السوريون أرقاماً! يستيقظ المرء كل يوم ليعرف عدد الشهداء الجدد، لقد أصبح السوريون مجرد أرقام تضيع بزحمة أرقام سوق الأسهم وفواتير الخضار والفواكه وأصبح الدم السوري رخيصاً لا يأبه له أحد. يرى بعض المحللون بكل سذاجة أن هذه المهلة ستحرج الدول المعارضة لأي تحرك ضد نظام الأسد، يا سادة من يقتل شعبه ليس فيه ذرة من حياءٍ ولا خجل وموقف هذه الدول لن يتبدل والخاسر الوحيد هو الشعب المذبوح.
——————————–
بون
سوري مقيم في ألمانيا