د.عزمي بشارة
———————-
لم يتدخل الناتو، ولم تتحقق نبوءة “ثوار الناتو” السفيهة، ولم يبق في الميدان سوى الثوار السوريين في مواجهة نظام يدعمه الروس والإيرانيون.
لدينا شعب تسلح في مواجهة نظام مدجج بالسلاح. وما يسمى الجيش السوري الحر هو عبارة عن شعب مسلح محلي التنظيم في القرى والمدن والمحافظات.
الشعب المسلح هو: مدرّس ومهندس وإطفائي وسائق وعاطل عن العمل ومزراع وخباز. هؤلاء يحملون السلاح ضد النظام.
ليس الشعب مقولة رومانسية. إنه شعب بحلوه ومره. تجد فيه مناضلين يقدّمون حياتهم للذود عن كرامتهم وكرامة أسرهم، وجد أيضا مهربين ومجرمين يستغلون الأحداث.
فيه مواطنون يريدون أن يبقى الوطن بخير، وفيه مناضلون شرفاء. وفيه طائفيون لم يناضلوا في حياتهم ويعتبرونها مناسبة للتعبير عن أحقادهم والظهور بمظهر المناضل
في الشعب من يضحي بكل شيء، وفيه أيضا من يجد في كل شيء فرصة للتكسب.
وفي الثورة آلاف الأبطال والبطلات المجهولون والمجهولات. أولئك الذين يهرّبون الجرحى الى بيوتهم، ويجمعون التبرعات من رواتبهم الزهيدة.
أولئك الذين يهرّبون الدواء واللفافات المعقمة بعد أن يشترونها بمالهم الخاص من صيدليات في لبنان، التي صار بعضها ايضا يرفض، أو يخشى بيعها.
أولئك الذين يهرّبون الكاميرات والهواتف، ويكتبون اليافطات. والأطباء الذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ جريح.
هذه هي الثورة السورية بشعبها الذي تظاهر وحمل السلاح، ودفن شهداءه وهو ينشد للحياة.
لست رومانسيا لأعتقد أن كل من حمل السلاح يمكنه ان يحكم بلدا مركبا وأن يدير اقتصادا، ولكن الشعب السوري الذي تبلورت هويته النضالية في هذه الايام هو الضمان ان لا تصادر الثورة في المستقبل، وأن يعبر النظام القادم عن تعدديّته السياسية والاجتماعية وعن تنوّعه.
والشرط هو أن لا تتحول الثورة إلى أي نوع من الاقتتال بعد سقوط النظام، وأن تقام منذ اليوم في الداخل، البنى والهياكل التي تمنع ذلك وترسي أسس المواطنة الديمقراطية ومؤسساتها، ومن ضمنها المؤسسات التثقيفية في الثورة.
المعركة في الداخل وسوف تحسم في الداخل. والنصر قريب أن شاء الله.
كل ما قل عن ذلك هو خيانة لملايين الجنود المجهولين الذين لا ينتظرون أجرا من أحد، ولكن لن يقبلوا أن تسرق منهم أحلامهم التي قبضوا عليها كالقابض على الجمر وهم يهربونها عبر الحواجز الأمنية.
هؤلاء الأبطال ليسوا مجهولين، وهم بالتأكيد ليسوا جاهلين، ولم يقم أحد بالمهمة عنهم، فليتواضع كل من يعتبر إرضاء دولة أجنبية أمرا أكثر أهمية منهم. ولن يكون هنالك من هو أهم من المواطن السوري وكرامته.