ليست صدفة أن تعبر واشنطن عن رغبتها في إقامة “علاقات أوثق” معه، فيما تعول عليه باريس ليكون الواجهة المقبولة والمقنعة التي يتم من خلالها تسليح المعارضة، فقد نجح العميد المهندس سليم إدريس الذي تولى رئاسة أركان الجيش السوري الحر مطلع هذا العام، في تبني لغة سياسية عقلانية ومتمايزة عن تصريحات القيادات السابقة في “الحر” التي نادرا ما خرجت عن نطاق “ردود الافعال”، فيما لم تقم التنظيمات الأصولية أي وزن للسياسة في عملها.
الرجل الموصوف بالمثقف والمحبوب في الأوساط العسكرية تمكن من ترسيخ الصورة المعتدلة لـ “الحر” ولم يعد بالإمكان تجاهله، خاصة بعد رفضه الاعتراف بغسان هيتو رئيسا للحكومة الانتقالية، مبديا اعتراضه على الطريقة التي فرض بها الرجل من جانب حركة “الأخوان” المدعومة قطريا وتركيا، وفُهم وقتها أن ادريس الغير منتمي لأي تيار سياسي، شكل مع معاذ الخطيب ما يشبه جبهة للحد من “تفرد الأخوان” داخل الأئتلاف الوطني المعارض.
بداية، حاول المحاضرالسابق في الأكاديمية الحربية طمأنة السوريين المتوجسين من حكم العسكر، متعهدا تسليم السلطة إلى المدنيين عند تشكيل الحكومة الانتقالية. وأوضح أنه رغم الحاجة الملحة للعتاد فهو على “استعداد للانتظار حتى تكون القيادة السياسية الجديدة للمعارضة مستعدة للاشراف على عمليات شراء الاسلحة”. أما خارجيا ، فنجح إدريس(55عاما) في مخاطبة مخاوف الدول الغربية، مبديا استعداده تقديم كافة الضمانات لضبط حركة السلاح ومنع وصوله إلى أيدي المتطرفين. كما أكد أن “الحر” لا يسعى لإمتلاك السلاح الكيماوي حتى لو “استخدمه جيش الرئيس بشار الأسد ضدنا”.
ورغم التطمينات التي قدمها رئيس الأركان، ما زالت الولايات المتحدة تتمهل مع حلفائها في دعم الـ 50 ألف مقاتل الذين يقودهم ادريس، وهذا ما يمكن ارجاعه إلى أن الرجل المنتخب بأغلبية أصوات الفصائل لم يتمكن حتى اللحظة من تدارك أخطاء تنظيمية كبيرة، قد تكون ناتجة في بعضها عن استقلالية بعض الكتائب من حيث التسليح وارتهانها للممولين. ويمكن ملاحظة الضعف في التنسيق عند الغاء إدريس لاتفاقية “سري كانييه” بين المجلس العسكري الثوري في الحسكة، و قوات الـYPG الكردية، معللا ذلك بأن ” ليس من حق أحد أن يوقع الاتفاقيات سوى قيادة الجيش الحر والإئتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة”.
وفي حادثة مشابهة، رفض إدريس عملية احتجاز جنود الأمم المتحدة في الجولان، التي تمت على يد “الحر” خلال أذار الماضي، قائلا: ” أبلغت بالأمر حين كنت في بروكسل. وأنا لا أؤيد هذه العمليات “. وتستدعي هذه الأخطاء وغيرها ،الكثير من الشكوك لدى الغربيين حول قدرة العميد الذي انشق في تموز الماضي، على توحيد “الحر” وخلق جسم عسكري منظم ومنضبط، فحتى اللحظة ما زال هو نفسه يشكو من تجاوزات “الحر” والكتائب المحسوبة عليه، فكيف بسكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام؟ حيث تكثر جرائم الخطف والسرقة. أليس من الطبيعي أن تميل الكفة في بعض تلك الأماكن نحو “جبهة النصرة” على اعتبارها الجماعة الأوفر تسليحا والأكثر انضباطا وتنظيما؟.
الحل لهذه المعضلة جاء من مصادر حكومية فرنسية قالت إن “قيادة أركان الجيش السوري الحر لم تصل بعد إلى تشكيل هياكلها وهرميتها”، معتبرة انه “من هنا تأتي الحاجة إلى مساعدتها”. وتقدر تلك المصادر “عدد المسلحين بـ 100 ألف مقاتل لا يشكل الجهاديون منهم سوى نسبة ضئيلة قد تصل إلى 10%”.
ويبدو أن وجود ادريس، يمثل فرصة جيدة بالنسبة لواشنطن إذا كانت ترغب فعلا في تقوية الجيش الحر وتوحيده على حساب الأصوليين، وظاهرة محرجة إذا كانت لا تريد ذلك، ويقال بأن إدارة أوباما التي لم تغلق الباب كاملا أمام تسليح “الحر”، ليست متحمسة في الوقت عينه لبذل ذلك المجهود، بسبب ابتعادها عن الشرق الأوسط واعتمادها سياسة “الإدارة من الخلف”، فيما التضارب في سياسة حلفائها “الأماميين” الداعمين للمعارضة يزيد الأوضاع تعقيدا.
رحيم حيدر