الفئات العسكرية التي تحالفت مع طبقات بيروقراطية وطفيلية داخليا تحولت إلى مافيا عسكرية اقتصادية تهيمن على مفاصل الدولة التي آلت الى ملكية فردية لطغمة يترأسها قائد فرد لا يقهر هو الاول والأخر والأمر والناهي في أنظمة قمعية مرعبة احتكرت التعليم ودجنت القضاء وأقصت المثقفين ودمرت الحياة السياسية والحزبية
لذلك ليس غريبا أن النخب الفكرية والسياسية في المغرب والمشرق العربي موزعة بين المنافي والسجون
الدارس للأنظمة الكارثية في المستويات( اقتصادية واجتماعيا وسياسيا ) يدرك مبكرا ان هذه الأنظمة ليست هالكة فقط بل وتقود بلدانها نحو الهاوية .ونظرة بسيط على مؤشرات التنمية في هذه البلدان ومقارنتها بدول أخرى يدل على هذا التدني الذي أصابنا منذ الاستقلال وحتى الأن
لم تملك النظم المستبدة سوى الشعارات وأسلوب التسويف واللعب على عامل الوقت لمواجهة الأزمات المتراكمة
وحين انفجرت قنبلة المشاكل التي صنعتها ايدي العسكر كان الرد اما بالهرب من المشاكل ومن البلد او بالانتحارالشمشوني كخيار نهائي علي وعلى أعدائي يارب كما فعل القذافي ويفعل غيره الان
احد جوانب المشكلة الكارثية تكمن في الخيار الحالي وأقصد التيار الإسلامي السياسي بكل تنوعاته المعتدلة والمتطرفة
صحيح انه لا يمكن وضع الجميع في كفة واحدة ولكن الصحيح أيضا أن الفروق لا تبدو شديدة بين من يقدم نفسه بأنه المنقذ الوحيد عبر العودة للعصر الراشدي وتطبيق الإسلام الصحيح (الخلافة والشورى)كما يفهمه هو ليتم حل كافة إشكالاتنا الحضارية والإنسانية عبر الشعار السحري” الإسلام هو الحل” متوهما ان الإسلام يجيب عن كافة أسئلة العصر من توزيع الثروة الى ثقب الأوزون ..
وبين التيار الأكثر انفتاحا والذي يختلف تقبله للتيارات السياسية وللتنوع المذهبي والفكري من بلد لأخر حيث يختلف إخوان مصر عن حركة النهضة التونسية مثلا ولكن دعوتهم للديمقراطية التي سلفا يعرفون انها تصب في خدمتهم لأسباب تاريخية ومذهبية في بعض الدول ولتلاعبهم بالشعور الديني واستغلاله سياسيا لغايات حزبية.
نحن نتذكر أنه حتى في مصر أيام مبارك الذي لم يكن إسلاميا فقد تمكن إسلاميين من رفع دعوى الحسبة وتطليق دكتور جامعة من زوجته بعد أن تم تكفيره فما الذي نرجوه في دولة بمرجعية إسلامية
فالديمقراطية ليست الانصياع لرأي الأكثرية فقط كما يفهمها الإسلاميون بل تتضمن احترام رأي الأقلية وضمان كافة الوسائل التي تتيح مستقبلا تحول الأقلية لأكثرية ضمن الفهم السياسي للأقلية والأكثرية الذي لا يتطابق مع المفهوم المذهبي او الديني
وتتضمن الديمقراطية رعاية حقوق الأقليات لا كمواطنين فقط بل كأقليات لها هويتها الفكرية والعرقية والثقافية والمذهبية المختلفة بحيث تعبر عن نفسها ضمن إطار المجتمع دون اضطهاد وبما لا يتعارض مع وحدة الوطن والدولة
إن قبول بعض الإسلاميين المعتدلين للدولة المدنية مؤشر ايجابي نسبيا ولكن حين نعلم ان المرجعية ” لدولتهم المدنية”إسلامية فقط سيزول العجب فالفروق بين دولة الخلافة ودولة مدنية بمرجعية إسلامية جدا طفيفة
في هذه الدولة المبتغاة عدة إشكاليات فكرية تتعلق بهوية رئيس الدولة وحق المواطن اختيار الدين وتبديله وهل يجوز حكم المرأة كثير من القيادات الإسلامية حين يوجه لهم هكذا تساؤلات يتم التهرب منها بدبلوماسية غير موفقة يقولون لنا نحن نقبل بما يقبل به الشعب (هم يعرفون سلفا ان مجتمعا ذو أكثرية اجتماعية إسلامية لن يصبح فيه مسيحي أو يهودي أو أي شخص من أقلية عرقية ما رئيس للدولة عبر أي انتخاب خصوصا في ظروف الاستقطاب الاجتماعي الحالي وتأثيراته المستقبلية)
الكارثة السياسية لا تنتهي عند حديها الرئيسيين العسكر من جهة والإسلاميين من جهة ثانية بل تتعداهم للقوى السياسية
القومية والشيوعية فهي باديولوجيتها وتجاربها المحلية والعالمية لم تنتج سوى ديكتاتوريات عاتية او كانت حليفة لنظم حكم مستبدة رغم عن الخطابات التي تقسم العالم لفسطاطي التقدم والرجعية
اما القوى الشبابية التي شبت عن طوق الإديولوجيات التقليدية و الأحزاب والحركات الحاملة لمشروع تغيير ديمقراطي يمكن التعويل عليه فهي ما تزال هامشية التأثير ولا يبدو انها تلعب دورا بارز في الثورات الحالية أقله في مصر وليبيا
لذلك يبدو مستقبل التغيرات التي تعصف بالمنطقة العربية محفوفا بالمخاطر اكثر مما يبدو واعدا بالآمال
——————————
بقلم: عبد الكريم فطوم