طه بالي
أتمنى حدوث تفاوض بين الائتلاف الوطني بقيادة الشيخ معاذ الخطيب وبين النظام. لا أعتقد أن اتفاقاً حقيقياً ينهي الأزمة سينبثق عن هكذا تفاوض، إلا أن فوائده ستكون عديدة في اتجاهات مختلفة.
أولاً، على المستوى الإنساني سيطلق النظام عشرات آلاف المعتقلين. من يستهين بهكذا مكسب ويهاجم فكرة التفاوض بحجة أنه خيانة لأمهات الشهداء، عليه النظر في عيون أمهات المعتقلين (ومنهم من سيستشهد في المعتقل دون شك) وإخبارهم بذلك.
ثانياً، تخفيض سوية العنف ولو بشكل محدود سيتيح المجال لإيصال المساعدات والإعانات
بأسرع ما يمكن للاجئين والمهجرين ولإيقاف تدفقهم ولو مؤقتا بعد زيادة هندسية في أعدادهم مؤخراً فاقت قدرة الدول المضيفة والهيئات الإغاثية بشكل واضح.
ثالثاً، سيسهم التفاوض في تعزيز شرعية الائتلاف ومكانته كمعادل حالي وبديل مستقبلي للنظام. لن يعمل التفاوض على تدعيم شرعية النظام فهي جثة هامدة لا يمكن إحياؤها، ومن لم يصل لهذه القناعة حتى الآن (روسيا وإيران، الخ) لم يبن موقفه على قواعد منطقية او أخلاقية سليمة أساساً ولا يعول عليه.
رابعاً، سياسياً، ستعمل دعوة الخطيب بشكلها الحالي على إحراج بشار الأسد والقيادة السوريةالإيرانية. لم يدع بشار الائتلاف للحوار في خطابه الأخير ولم يعترف به كند حقيقي. مبادرة اليوم سترمي الكرة في ملعب النظام، إما أن يقبل، ما يحدث المزيد من الخلخلة في صفوفه ويهز صورة بشار أمام تابعيه أكثر وأكثر، وإما أن يرفض فيصب ذلك في زيادة قناعة العالم باستحالة التوصل لحل سياسي مع هذا النظام بما لا يقبل الشك.
خامساً، لمن يجزم أن لا حل في سوريا سوى بإلحاق الهزيمة العسكرية الكاملة بالنظام، أو أن الحل سيأتي تفاوضياً ولكن بعد تحقيق الجيش الحر للمزيد من التقدم (كما أعتقد)، عليه أن يدرك دعامتي نجاح هذا الحل اثنتان: أولهما التسليح النوعي، وهو ما لن يحدث دون استنزاف الحل السياسي بمبادرات كالمطروحة الآن، وثانيهما توحيد الكتائب المقاتلة ما أمكن خلف قيادة مركزية، وهو ما لا يمكن تحقيقه سوى عن طريق امتلاك هذه القيادة المال والسلاح الذي يؤهلها لإصدار الأوامر للكتائب مقابل دعمها. هذه القيادة يجب ان تنبثق من الائتلاف الوطني المحتاج لشرعية تؤهله للمطالبة بدعم حقيقي من دول أصدقاء سوريا، من مثل تجميد أموال النظام وتحويلها للائتلاف، تلقي المساعدات مباشرة من الأمم المتحدة، إلخ.
سادساً، لن يعطي التفاوض أفضلية عسكرية للنظام، فهو مهما فعل لن يستطيع ثني السوريين عن الرغبة بالتغيير الحقيقي في سوريا، أي العامل الأهم في تجنيد مقاتلي الجيش الحر واستمرارهم في القتال، هو لن يستطيع إغلاق الحدود السورية، ولن يستطيع شن عمليات عسكرية واسعة تئد الحوار في مهده من اللحظة الأولى.
سابعاً، لطالما دار الكلام عن غياب البديل الحقيقي عن النظام وعن عدم تمثيل النظام أو المعارضة للكتلة الأكبر من الشعب السوري. يبدو من الواضح أن جزءاً كبيراً من الشعب السوري يرغب بالوصول لحل للخروج من المأزق الحالي بأسرع ما يمكن. رغم عدم اقتناعي أن الحوار مع النظام ضمن الظروف الحالية ستوصل بالضرورة لهكذا حل، فإن إتباع هكذا خط سياسي سيرفع من أسهم المعارضة الممثلة بالائتلاف خاصة عند غالبية السوريين، ربما حتى بعض المؤيدين للنظام، وعند المجتمع الدولي دون شك.
لم تتبع الثورة السورية حتى الآن الخط المرجو لها عبر ما يقارب السنتين من عمرها. الثورة على حق، والنظام على باطل، ولن يضير الثورة في شيء البحث عن حلول خلاقة وتجريب كل ما يمكن تجريبه بهدف حقن دماء السوريين والتسريع بالتغيير الحتمي القادم لنظام الأسد.
تعليق واحد
تنبيه: عن مبادرة معاذ الخطيب والتفاوض مع النظام . . بقلم: طه بالي « مختارات من الثورة السورية