كانت الفضائيات تتكاثر بشكل مرعب بعد سقوط كل طاغية في الوطن العربي، وكانت تلك الأقنية بالمجمل تتخذ من عملية التحرر وشعارات الشعوب اسماً لها، ويسجل لتلك القنوات عملية نمو غير طبيعية تبدأ بخط بياني متصاعد ثم ما تلبث أن تنحدر ويختفي بريقها، وجمهورها الذي التف حولها يملها ويعود إلى متابعة الشبكات التقليدية وبرامجها، ولدينا في الحالة العراقية والليبية والمصرية والتونسية نموذج.
الحال السورية غير بعيدة عن ذلك، لا بل، ما يميزها أن الطاغية لم يرحل بعد والفضائيات الثورية في تزايد مضطرد، وهي في كل يوم تنهش لحمه وتدندن بنغم الثورة، لكن، ما فشلت في تحقيقه الفضائيات الحديثة النشأة في الوطن العربي بالنسبة لقضاياها، لم تنجح في تحقيقه الفضائيات السورية بالنسبة للثورة!.
في الحالة السورية نقترب من الدقة إذا قلنا إن الفضائيات حديثة النشأة لم تقدم شيء يذكر للثورة السورية؛ وذلك يتضح إذا ما سألنا أنفسنا السؤال التالي: ماذا لو توقفت بعض الفضائيات مثل: الجزيرة والعربية.. عن تغطية الثورة السورية! وأوكلت المهمة لتلك المحطات السورية؛ هل ستقوم بواجبها على أحسن وجه، وهل تمتلك القدرة على إيصال الثورة السورية إلى الرأي العام المحلي والعربي؟…
قد يقول قائل: إن تلك الفضائيات لا تمتلك الإمكانيات المادية والتكنولوجية لتقوم بمواجهة هذه المهمة على غرار الجزيرة والعربية!
الجواب: هذا الكلام ليس بالضرورة صحيح، لأن بالإمكان الانطلاق من قدرات مادية محدودة وتحقيق الجماهيرية، فمثلاً: جميعنا يعرف “الداعية عدنان العرعور” ومحطته الفضائية المغمورة “وصال”! إذ استطاعت هذه المحطة أن تجمع طيفاً واسعاً من الجمهور السوري حولها وحول برنامج الداعية لدرجة أزعجت النظام، فأّذكر أن التيار الكهربائي كان يتم قطعه يوم الخميس عن الريف الدمشقي مدة بث البرنامج لأنه كان متابعاً من الناس هناك، وهذه البرنامج لم يكن بتكاليف وتقنيات عالية! إنما فقط امتلك آلية مخاطبة جمهوره بشكل صحيح، وهذا ما عجزت عنه الفضائيات الحديثة النشأة كما أنها لم تصل بعد إلى بلورة برنامج ذي جماهيرية مشابهاً لبرنامج العرعور السابق. (ملاحظة: أنا لا أدافع عن الشيخ العرعور، ولست من مريديه، إنما هو مثال واقعي عن فضائية مغمورة حققت جماهيرية بإمكانيات متواضعة ومن خلال برنامج تلفزيوني واحد).
كما أستطيع أن أضيف إلى معاناة تلك الفضائيات عجزها عن تشكيل تيار أو رأي عام يقود شريحة من شباب الثورة، ويحسب عليها أيضاً عدم تمكنها من ربط السوريين في الداخل بقادة الرأي والمتنورين والوجوه المعروفة في الخارج، كما أنها لم تقدم المعارضة السياسية إلى الشعب السوري بطريقة تحقق تعاوناً بين الطرفين، وأسوأ ما في سلوك تلك الفضائيات هو اجترارها المقيت لفيديوهات الناشطين ومعاناتهم في الداخل، إذ تقتصر تلك الفضائيات على جعل تلك المقاطع المصورة كفيديو كليب لإحدى الأغاني الوطنية! في حين لو كان هذا المقطع بيد إحدى الشبكات الغربية؛ لكانت أتت بضيوف ومحللين يبحثون في مضمونه وطبيعته ونفسية مُصوره، ولكانت جعلت منه قصة إنسانية أو موضوعاً لفيلم سينمائي قصير!.
لا أريد أن أختم قولي بالنوح على جنازة تلك الفضائيات بشكل مبكر؛ إنما أتمنى لتلك الفضائيات أن تكون أقنية ومنابراً للسوريين كي يناقشوا قضاياهم بحرية، وألا تدع السوريين ينتظرون حسنة الشبكات الإعلامية العالمية أو العربية لتسلط الضوء على موضوعاتهم، فنحن حتى اللحظة نعيش كما كنا أيام الطاغية نتلقى أخبار ثورتنا وأسماء شهدائنا من الفضائيات العربية لا من فضائيات الثورة السورية.
الصحفي والمدون محمد كناص