N.S.N
شابٌ لا تكادُ تنقضي عشرونَ سنةٍ من “حياتهِ” ، وسيمُ الهيئةِ ، بهيُّ الطلعةِ ، ميسورُ الحالِ غني أو إن والده كذلك . توحي صورته أنه من الأغنياء لكنه كان يقفُ بينَ فقراءَ حِمصْ ، يعتلي مِنصّتهُ البسيطة التي تُشبه في شكلها كلَّ شيء إلا المِنصة .. يُمْكِنُ القول أنها سُلم . لكن ولمجرد وقوفه عليه ووقوف الناس الطيبين مِن حوله أضحى ذلك السلّم عرشاً ، عرشاً ملكياً ذو هالهْ .. هالةُ شاب هو كباقي الشباب في أرض العرب ، لا ! والله ليس مثلهم هو ! لا لأنه أغنى منهم ولا لأنه يفوقهم جمالاً .
إعتلى (طارق الأسود) عرشه ، أمسكَ بمكبر الصوت مِسكةَ القائد يخطبُ في شعبه . أمسك طارق بـ “الميكروفون” وشدا بأنشودةٍ علّمَني فيها حبَّ الأوطان وأنا التي تعلمُ ما حب الأوطان ! صوتُهُ يتموّجُ في مسامعي .. لا زِلتُ أراه .. أراه يصدح متحدياً مَن هابهُ الجميع ، مَن لَمْ يَجْسُرْ على تحديه أحَدْ !
طارق .. شاب غني وسيم وهو الشاب المثالي في نظر أيّ كان لكن لكن وبرغم غناه آثرَ مؤازرة أهلِهِ .. آثَرَ مُساندةَ شعبه ووقفَ يصدح لاعناً الحاكم . ما رأيتُ أجملَ مِن المظاهرات في حي بابا عمرو الحمصي الشهير ، الشهير بمجازره ونكباته طبعاً ! لا شيء يدعو للأسى فيما رأيت لكن وفي كل مرةٍ أشاهد ذاك المشهد تُدمي وُجنتَيَّ العَبرات ، يضيق قلبي كمَداً ، تَهدِرُ أمواجُ أحزاني ولا تهدأ الأعاصيرْ ! أبكي البكاءَ المريرْ ، أبكي وفي كل مرةٍ ترتسمُ على شفتَيْ ابتسامة متحدية دموعي . أبكي أم أضحك ! لستُ أدري ! أبكي لأن طارق لم يكن متمسكاً بأذيال الحياة ، متشبثاً بأهداب العمر .. أَم أفرحْ ؟! طارق لم يكن متأسفاً على ذهابِ الأمس ، خائفاً من سرعة اليوم ولا مترقباً مجيء الغد . طارق حملَ روحه على راحته وأنا أبكي ! أبكي وأضحكُ حزناً لا فَرحاً أو هذا ما ظننت ! لكني أيقنتُ أني كُنتُ أبكي فَرَحاً أو أنه كان ينبغي عليَّ أن أفعل فطارق يسكن الجنة وطارق لَمْ يمُت ، جسده فنى لكن روحه لم تمُت ، روحُ طارق لم تمُت فينا .. روحُه لم تمُتْ ! أضحى كل منا طارق ، شجاعة طارق فينا وبسالتُه ، تضحية طارق فينا وابتسامتُه . أدركتُ أنّ الخيرَ في الناس لا يزال ، أن القصص الملحمية لم تكُن أساطير . شبابُنا طارق .. شبابُنا شُجاع .. شبابُنا خَيِّر .. أرى الخيرَ فينا .. أراه رُغمَ مآتي الدهر ! أَملُ البلاد في شُبانها وشُباننا هم الأمل ، أراه ! أرى فيهم الأمل ! شبابُنا يا طارق مثلك لم يمُت . أرى الأمل فيه يا طارق ! شبابُنا لم يمُت . عذراً طارق ، سامحني .. فقد عزمتُ تسخيرَ قلمي ليكتبَ عنكْ لكني ورُغماً عنّي وجدته يخُط أموراً أُخَرْ ! إِنَّكَ تعلمُ يا طارق أنّ أشرفَ الموتِ موتُ الشهداء وأن أرواحكم تُباركنا وتقوينا على المسير . لأجلكَ يا طارق سَنَحيا ، لنأخذَ بثأرك سَنَحيا .. وسنأخذُ بثأرك حينَ نبني مجدَ الأوطان !
استشهد طارق بتاريخ ٢٠١٢/٢/٢٤ وكتبتُ كلماتي هذه بتاريخ ٢٠١٢/١٢/١٥ لكني شاهدتُ ذات الفيديو الذي عنه كتبْتْ بتاريخ ٢٠١٣/١/٩ ورقَصَتْ أحزاني حينها فرَحاً لأن الوعْدَ بانتظارنا ولأننا سنزور حلمنا بعد أيام .
تعليق واحد
تنبيه: عِنْدمَا يَذْهَبُ الشُّهَدَاءُ إِلَى النَّوْمِ « مختارات من الثورة السورية