a alh
إبان الحقبة الاستعمارية في أفريقيا كانت رواندا و بوروندي من ضمن الحصة الألمانية و البلجيكية, و بكل بساطة وفعالية استخدمت القوى الاستعمارية هذا المبدأ البسيط في حكم البلاد ” فرّق…… تسد ” فأسندت السلطة ومناصب القوة لأفراد من أقلية التوتسي, حيث عرّفت القوى الاستعمارية كلا المجموعتين العرقيتين على النحو التالي:
التوتسي : كل من ملك عشر بقرات وأكثر, و كان أنفه طويلاً
الهوتو : كل من ملك أقل من عشر بقرات, و كان أنفه مفلطحاُ
و نحن نعرف ما الذي حصل لاحقاُ في رواندا.
في ظل العلم البريطاني, كانت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس, تحكم الجزء الأكبر من العالم المعروف, و قد عجزت النساء البريطانيات عن تزويد البحرية الملكية بالعدد الكافي من الأيدي التي تستطيع أن تضمن السيطرة الكاملة على هذه الامبراطورية المترامية الأطراف فاستعاضت الانتلجينسيا الانكليزية عن النقص في العدد, بالمبدأ البسيط أعلاه و الذي مكّن ” حكومة صاحبة الجلالة ” من أن تحكم بلداناً وبشراً يزيدون مساحةً و عدداً بعشرات الأضعاف عن مساحة الجزيرة الانكليزية و سكانها, و ذلك من أوروبا مروراً بنيجيريا حيث غذّت الانقسام بين الايكوبو و الهاوسا, وفي السودان رعت التفريق بين الشمال والجنوب, و في المنطقة العربية نقع على المثال الأشهر وأعني سايكس بيكو, و قيام الدولة العبرية لاحقاً, حتى نصل إلى الهند والصين والتفريق بين مختلف العرقيات والأثنيات هناك ونشوء الدولة الباكستانية و البنغالية و غير ذلك الكثير من الأمثلة.
طبعاً كان الخيار الأنسب في الدول ذات الأديان و المذاهب المختلفة, هو العزف على الاختلاف الديني و المذهبي و تنميته و رعايته, و التاريخ القريب و البعيد ملئ بالأشكال المختلفة من الاستعمال لهذا المذهب الفعّال في تحقيق السيطرة .
ثم جاءت الامبراطورية الأمريكية و التي امتلكت من القوة العسكرية والاقتصادية , ما لم يتحقق لقوة أخرى على مر التاريخ, فسكرت النخبة الامريكية بهذه القدرة المرعبة, و أتى عليها ما يأتي على أي مالكٍ للسلطة فانتشت و بدأت باختراع أساليب جديدة في رعاية القوة فانتقلت من القاعدة أعلاه إلى القاعدة الجديدة ” confuse and rule ”
و للأسف لم أجد خيرا ً من التعبير التالي لتوصيف القاعدة أعلاه ” شوّش……. تسد ” فأرجو ممن يملك تعبيراً أفضل أن يفيدنا به.
حيث تطورت الآلية في تحقيق السيطرة ” و هي الغاية و الهدف لتحقيق المنفعة ” عبر الاستخدام المتقن لوسائل العصر وخصوصاً المنابر الاعلامية المختلفة, لايجاد واقع افتراضي ينمو في أذهان الجماهير, ثم تصطدم هذه الجماهير بالتناقض الصارخ بين ” الحقائق الافتراضية ” و بين الأكاذيب الحقيقية التي يعيشها الفرد و الجماعة, فيشعر الفرد بدايةً بالإنكار ثم يستبد به الغضب ليصل لاحقاً إلى الاحباط و ينتهي به الامر للاستسلام والرضوخ لأي شي و يصبح عندها ” خلية فعّالة للماتريكس”.
لقد كانت السياسة الرسمية للنظام السوري هي فرّق تسد, فقّسم البلاد إلى مناطق مختلفة و فرّق الناس إلى مجموعات بشرية تشعر بالتوجس من المجموعات الأخرى, و لكنه و في نشوة السلطة أخيراً ابتعد عن الاستخدام المثالي لهذا المبدأ الذي حكم به سوريا بنجاح على مدى حقبة الآب, و اعتقد أن القوة الساحقة تكفي فقط لتحقيق السيطرة.
و كانت هذه القوة التي اعتقد أنه بواسطتها يستطيع أن يسيطر قد طمست على البصيرة, و أوصلت إلى مواقع القرار مجموعة من المراهقين الرعناء -حتى لو بلغوا من العمر عتيا- و الذين جرّوا على أنفسهم و جماعتهم و بلدهم الخراب و الدمار, و هنا نفهم القاعدة التي صاغها الرسول الأمي حين قال ” إذا وسد الأمر إلى غير أهله ” و حاول النظام و من لفّ لفيفه, بعد شعورهم بأن التفرقة لم تعد فعّالة لتحقيق السيادة,و أن قطعان البشر قد بدأت تجد القوة و العزم لتمارس انسانيتها و تشعر أن انتمائها الفردي مرهون ٌ قبل كل شئ بالانتماء الجماعي, فحاول هؤلاء أن يخلطوا الحابل بالنابل ليشوشوا على الناس فأصبح الشبيح الذكي لا يتحدث عن محاسن النظام و انما يتحدث عن مساوئ النظام والمعارضة, و انتقل الحديث من العصابات الارهابية للكلام عن المعارضة المسلحة التي يمكن الحوار معها و جبهة النصرة الغريبة التي يجب ابادتها, كما ارتقى الكلام من أهمية استمرار النظام إلى ضرورة الحوار للمحافظة على الدولة, و غير ذلك من الوسائل المختلفة لتشويش الناس و تحقيق الانحراف و لو بأدنى الدرجات في بوصلة الشعب.
و هذا كله يندرج تحت البند الدائم الحضور:
كلام حق يُراد به باطل
و لا يخفى على المتابع الفطن للأحداث كل هذا الحديث اليوم, عن القاعدة و البغدادي و الجولاني و دولة العراق الاسلامية, في حين تقوم كتائب النظام بكل ما يخطر و ما لا يخطر على البال من فظائع.
و لكن شاء الله أن يزول تأثير السحر, و أن تتكشف الدوافع و الغايات للجميع, لتغدو كل وسائل النظام و شخوصه كالغريق الذي لن تنقذه كل تخبطاته من المآل, نرجو الله عزّ و جل أن يكون أقرب مما نظن .