في تلك الليلة التي لم يهدأ فيها أزيز الرصاص الذي يعانق غريزة البقاء وبينما صواريخ الظلم وقذائف البغي تدك حيا وادعا قطعت فيه السبل وبقي كطائر العنقاء وحيدا تحت انقاض ورماد ….
كان في تلك الزاوية يرسم بما تبقى لديه من خيال طفولي شكلا لوحوش هذا الزمان … وربما كان يرسم جناحين صغيرين وطائر أو يرسم زمانا واجما ومكانا خاليا من كل شيء حتى من بعض الحنان …وحيدا خائفا حائرا …وربما غير مبال من يستطيع التغلل إالى تلك الروح الصغيرة ليستشف منها ما تعانيه وتعالجه في ذلك الوقت – ال بدل الضائع من حياة الإنسانية -كان هناك أحمد وقدماه الباردتان لا تساعدانه على الفرار تركه أهله ودونما ذنب ربما ماتوا وربما فروا وربما نسيهم الزمان تحت الركام وربما وربما …
تختلط الألوان في ساعات النهارالأولى ليختفي الوقت في الليل تحت ظلام دامس لا يعكر صفوه إلا بعض أصوات تعودت عليها آذان السامعين وعندئذ كل يبحث عن طوق نجاة تحت إلحاح غريزة البقاء …..
نسي أحمد أم الزمان تناساه في ذلك المنزل البسيط القفر من كل شيء إلا من روح هذا الملاك الصغير…ومع خيوط الفجر الأولى وكعادة تعودها سكان هذا الحي يبدأ العناق وتختلط الأمور ولا يسمع إلا الصفير والأزيز وأصوات انفجارات تترك ألف أخدود في ذاكرة الصغار وألف حرقة في نفوس الكبار ويبدأ صراع الإرادة والصمود والغريزة لدى أناس عشقوا التراب فرقصت أفئدتهم على إيقاع نشيد الخلود لتعانق دماءهم السماء لتبدأ سيمفونية الدموع التي تلح بدورها على قلم أثقله برد الشتاء …
تداعى منزله الصغير ليتهافت على ذلك المنزل عدد ممن تبقى على قيد الحياة من سكان حيه ليبحثوا عمن تبقى حيا من تحت هذا الركام وفي تلك الغرفة المهدمة والتي تعبق بالغبار والبارود كان أحمد واجما وجالسا كطائر وادع علا ريشه الناعم بعض من الغبار وقدماه الصغيرتان الباردتان تحت ركام جامد لا يشعر بمعنى الطفولة …
يالله يالله طفل طفل في المنزل صاح شاب وهو يحاول سحبه من الركام وشاب آخر إلى جانبه يحمل عين رامي بيمينه ويجهش بالبكاء محاولا أن يوثق هذه الجريمة ليصفع فيها وجه الإنسانية …حمل أحمد إلى منزل قريب -يوصف بأنه مشفى- وعندما لمست أنامل ذلك الطبيب النبيل وجنة أحمد شعر وقتها بأن هناك شيئا من الدفء بات يسري في عروقه …
صاح الطبيب بوجه السامعين الذين ينظرون إلى أحمد عبر شاشاتهم ماذنب هذا الطفل …
ماذنب أطفالنا أن يموتوا تحت الأنقاض …
يااارب مالنا غيرك يالله ..
وصمت ذلك النبيل الذي راح يخفي دموعه التي نضبت في قلب هده التعب …
فأجابه من رآه وسمعه ببعض من الدموع الصامتة من ثم ينهض ليتابع يومه الثقيل والمعتاد وينسى بعدها أحمد …
ليبقى أحمد في ذلك الحي- المنسي في طيات التاريخ –ولازالت أصوات الصفير والأزيز تعانق سماءه والموت ينشب أظفاره بأبنائه ولربما دخلت جحافل الطغاة حيه لتذبحه كما ذبحت 64 شابا من إخوانه …لازال أحمد في حيه الصغير وجل ما يتمناه حضن دافئ ودمية صغيرة وكرسي صغير وغطاء يدثر به قدميه الصغيرتين الباردتين ….
———————————————–
المصدر : صفحة أخبار الثورة بحمص
تعليق واحد
تنبيه: قدمان يقتلهما الصقيع في ليلة عاصفة . . بقلم: خالد أبو صلاح « مختارات من أحداث الثورة السورية