لم يغبْ عن شريط الأخبار وصفحات الانترنت اسم “مخيم اليرموك” الذي يتعرض يومياً إلى عشرات القذائف في خضمّ الحرب التي تشهدها المنطقة الجنوبيّة من دمشق .
وعلى حدّ تعبير التلفزيون الرسمي فإن “المجموعات الإرهابيّة” تقوم يوميّاً بإلقاء عشرات الرسائل القاتلة على عاصمة المخيمات الفلسطينيّة وأكبرها ، لكنْ ما أغفله الإعلام الرسمي أن “المجموعات الإرهابيّة” لم تظفرْ بعد بالثكنات العسكرية المحيطة بالمخيم ولا المطارات التي اعتادت على إرسال قُبُلات “المقاومة” إلى الشعب الفلسطيني هناك .
وكما أرادوا للمخيّمات الفلسطينيّة أن تكونَ دوماً على الحياد فقدْ كانت فعلاً على الحياد ، حيادٌ آخرُ تماماً ، حيادٌ تامٌّ بين الموت واللجوء ، إما أن يكونَ جسدُك اللاجئ من ستة عقودٍ حقلاً لرماية “قناص الحارة” أو أن ترسم على صدرك المسكين خارطةً جديدةً من التشردُ والتكوّم في الطابق السفليّ من المدنِ العربيّة تحت مسمّى “لاجئ ويعيد” .
لكنّ الجيش السوريّ لمْ يفكّرْ بالتعامل مع شعبٍ أرخصُ ما يملكه هو حياته ، وأثمن ما يملكه بعد القضيّة هو بيته المرقّع بآلاف الخرائط لوطنٍ منتظر ، وأن الحجّة الواهية التي قُصف بها “اليرموك” للوهلة الأولى وهي وجود الجيش الحر في حاراته قد زالتْ تماماً بعد انسحاب الأخير للأحياء المجاورة ، وحلّ في نفس المكان دُمىً أقصى ما تستطيعه حمل السلاح “البولوني” وتقاضي المال لإعطاء القذائف الهاطلة شتاءً على المخيم منحىً شرعيّاً تحت اسم “حماية المخيم” .
فإن كان “وُلاة أمر المخيم” يُلقون باللوم على “العصابات المسلحة” في الخراب فهو أمرٌ واقعٌ ينبغي أن يسلّم له كلّ الأفراد ، دون أن يُلاحظ وُلاة أمرنا أنهم صاروا حرساً شخصيّاً لأفراد الجيش السوري المختبئ في بعض البنايات التي هجرها أهلها وهم يتمنّون ألا يسقطَ ولدٌ هنا أو هناك ويضيعَ في غبار المطر القادم من راجمة الصواريخ .
الأمرُ الواضح تماماً في قصف المخيمات مع خلوّها التام من عناصر الجيش السوري الحر هو تهجير أهلها نحو المجهول من جديد ، فالمظاهرات التي نادتْ للمدنِ السوريّة لا يمكنُ أن تمرّ دون حساب في محاكم الأسد العليا وامتلاك اللاجئين لقطعة حجرٍ في مزرعة الأسد محرّمٌ بعد “قلّة الأدب” التي تحدثت عنها الخارجيّة السوريّة , وبانتظار صفحةٍ جديدة في بلادٍ مؤقتة لأبناء فلسطين هناك حاجةٌ ماسّة للقليل من الحياة تكفي للبقاء تحت خيمة الموت ، أو الرحيل حتماً نحو خيمةٍ أخرى .
“أبو قيس الفلسطيني”