يواجه الكثير من المدافعين عن الحراك الشعبي في البلد، سواء الفاعلين منهم المشاركين في الاحتجاجات على الأرض أو أولئك المتعاطفين داخل وخارج القطر، اسئلة عن طبيعة النظام الجديد الذي سيخلف النظام الحالي من ناحية هوية الدولة ودور الدين في قوانينها ودستورها، ونوع الاقتصاد الذي سيعتمده، اضافة الى سياسته الخارجية وموقفه من الصراع العربي -الاسرائيلي ومسألة الممانعة والمقاومة…الى ما هنالك من قضايا تتعلق بسياسات الدولة وعمل مؤسساتها. هذه كلها اسئلة محقة وملحة – رغم أن طارحيها في كثير من الأحيان يهدفون من طرحهم هذا التقليل من شأن الانتفاضة الشعبية عن طريق اتهامها بعدم امتلاك برنامج عمل سياسي واضح قادرة على الالتزام به وضعه موضع التنفيذ في اليوم التالي لرحيل النظام، رغم أنه كان الأجدر بهؤلاء توجيه الأسئلة عينها الى النظام الذي لم يقدم وطوال أربعين عاماً أي برنامج عمل سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي واضح يعمل على تحقيقه ما خلا سياسات الاقصاء والقمع والنهب والافقار – هي محقة وملحة حين يكون الهدف منها تحفيز نقاش عام وخلق حوار صحي للوصول الى اجماعات تخدم الصالح العام. أما حين يكون الهدف من اثارة هذه القضايا مطالبة الثورة بامتلاك أجندة عمل موحدة كشرط للاعتراف بجديتها وصدقيتها فهذا ما يمكن وصفه بكلمة واحدة : التعجيز.
هذه المطالبة تنطلق من فرضية لا واقعية ترى أن هناك كائناً جمعياً collective entity
اسمه الثورة السورية ضد حكم الأسد، و هذا الكائن له نظرة واحدة موحدة في السياسة والاقتصاد والاعلام والقضاء وسائر أوجه ادارة الدولة وكل ما يتصل بالشأن العام. حقيقة الأمر هي أن الانتفاضة الشعبية في سورية هي تعبير عن تلاقي ارادات لأفراد من خلفيات طبقية وفكرية ومستويات تعليمية مختلفة هم تجسيد للمجتمع السوري بتقسيماته العمودية والافقية المختلفة. تجمعهم الرغبة باسقاط النظام الحالي عن طريق ممارسة كافة وسائل المقاومة السلمية والاتفاق على مبادىء عامة من قبيل نبذ الطائفية والتمسك بالوحدة الوطنية وتأسيس نظام تعددي ديمقراطي كبديل عن الحكم الدكتاتوري الفئوي . هذه الانتفاضة حققت في شهور أربعة ما يشبه المعجزة. فهي أشبه بمريض عشعش السرطان في بدنه طوال أربعين عاماً ثم بدأ بالتعافي وبدأت خلايا جسده بالقضاء على آفة السرطان. فكما لا يجوز أن نطالب هذا المريض بالاستعداد للمشاركة في سباق الماراثون، لا يصح أن نحمل التورة فوق طاقتها.
ومن جهة أخرى التذرع بوجود معارضة فاعلة في الخارج لمطالبة الشارع المنتفض ببرامج عمل ورؤى محددة لمستقبل البلاد هي أيضاً حجة واهية. فعدا عن أن معارضة الخارج هي في الواقع معارضات مختلفة التوجهات والافكار فان حجم تمثيل هذه المعارضات للشارع المنتفض – رغم اشتراك الطرفين في هدفهما المعلن باسقاط النظام – سؤال مشروع وجوهري انطلاقاً من غياب أي تواصل مباشر بين هذه المعارضات وبين أي قاعدة جماهيرية قد تدعي امتلاكها داخل البلد. فقد شهدنا في الأونة الأخيرة مؤتمرات عدة عقدت في الخارج تحت اسم المعارضة السورية، وهذا برأيي ظاهرة صحية، و رأينا أشخاصاً لم يسمع أكثرنا بهم من قبل متحدثين في المؤتمرات ومن على وسائل الاعلام المختلفة بصفتهم معارضين، وهذا حقهم طبعاً طالما هم مواطنون سوريون. لكن القول بأن هؤلاء يمثلون الحراك الشعبي وينطقون باسمه فيه الكثير من المغالطة طالما أن هؤلاء لم تفرزهم صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة.
——————-
بقلم: باسل حافظ
تعليق واحد
كلامك رائع ويؤسفني اختصارك…