فادي الداهوك
———————-
لا زالَ الثلج يتساقط و بابا عمرو لم تسقط بعد ، كيلو مترات قليلة إلى هناك ، المسافة كافية لإيصال صوت المعركة ، رشاً و دراكاً مع بعض الانفجارات ، هكذا يصلني الصوت الذي اعتاد سكان البيوت هنا على سماعه منذ أن خلقت ثورة الكرامة ..
أنا المستغربُ الوحيد بينهم ، درعا الشرف سامحيني لأني سأغير مكان إقامتي ، أنا اليوم في حمص ، هل يعقل أن يتسلل المرءُ إلى أرضه ؟ نعم السوريون يدخلون بيوتهم وتراب أرضهم خلسة ، لم أستمع لخطبة الجمعة ولا لبكاء خطيب الجامع ، لا وقت للبكاء ، حتى أنا لم أعد عصيّ الدمع ، هناك معركة الآن ..
هل سيتلوا أحد البيان رقم واحد ؟ لكن المعتدي لا يملك شرفَ المقاتل ولا المعركة ، لم يقرع الطبول قبلَ أن يبدأ غزوته ، لا زال صوت الرصاص مسموعاً ، يا الله كيفَ يكون الوضع عندهم ، هذا الرصاص يطلق عليهم ، رشّة بندقيّة أخرى الآن ، عاصرتُ حروباً لم تكن على أرضي ، الآن فقط أنا الشعب الذي يُغزى ، أنا الشعب السّابح بدمائه ، جمعوا مني ثمن الأسلحة و ها هم يقتلوني بها ، جوليا بطرس نائمة لن تغني وين الملايين ، الشعب العربي وين ؟ الشعب العربي في همّه ، مصر تتحضر لانتقاء رئيس جديد وإسقاطه لاحقاً ، اليمن لا أعرف عنه شيئاً ، سوادُ القذائف على جدران البيوت في ليبيا ينظّف ، مع أن الثورة انتهت و بن علي هرب إلاّ أن المشكلة بين عائلة البوعزيزي والشرطية التي صفعته في تونس لم تنتهي بعد ، المغرب العربي مثلَ الشمسِ ، الآن غرّبت ، بيروت تتحضر لانتفاضة الأحد من أجل دمشق وهم صيام ، وليد جنبلاط سيشتمُ طاغية الشّام و سيشتمنا ، سيحضرُ مارسيل خليفة ، لا أعرف إن كانَ سيغني .. لا يهمّني أصلاً ، أرى أمام بيتي عائلة وطفلاً بلا ثياب ، هؤلاء وصلوا قبل قليل من حمص ، أنا أعطيتهم عنواني ، افتحي الباب يا أمي ، ألبِسي الطفل كلّ ثيابي ، حتى لو كانت كبيرة المهم أن يسخنَ جسده ، السماء تشاركُ في الجريمة ثلج و ثلج و ثلج ، هكذا أنا الآن وحدي .. مع شعبي .. و سوريا .. هي معركة حتى النصر …
هذه ليست خاطرة ولا قصّة ، من أرادَ سرقة هذه الوقائع فليسرقها و ليقل أنها له ، تنازلتُ عن كلّ أملاكي أنا الآن في قلب المعركة .. لا تحاولوا التحدث معي ، لن أسمعكم فصوتُ الرصاص قويّ جداً .. اندَهوا للرب .. اركعوا له علّه يستجيب لنا مرّة واحدة في هذا العمر ويقيم القيامة ، حاولوا أن تخبئوا طفلاً .. نعم ادفنوه تحت الأرض حيّاً ، لا تأخذوه معكم إلى القيامة ، فليكن الناجي الوحيد و ليروي للحياة القادمة قصّة عن بلد كان اسمه سوريا .. أصدقائي ادعوا لنا لو سمعتم صوتي
——————————————————–
الصورة : سومر خضر – عمل فوتوغرافي – حصل في بابا عمرو الفن والحرية