عزمت أمري بالسفر إلى سوريا وترك الرياض، والهدف كان العمل كمسعف داخل بلدي (سوريا) خلال الثورة التي تحولت إلى حربٍ لنيل الحرية تأكل الأخضر واليابس، كنت قد تعرفت قبل ذلك على بعض الشباب هنا في الرياض والذين يسّروا لي دورة إسعافات أولية، ووصلوني ببعض الأخوة في درعا والذين تحدثت معهم على أنني سوف أصل إلى درعا خلال أيام عن طريق الأردن ..
المهم .. جهزت كل شيء وحجزت الطائرة وجاء الموعد المحدد، توكلت على الله وكانت الرحلة سهلة ويسيرة، وأول ما واجهته في مطار عمّان كان وجه ضابط الجوازات المتجهّم والذي زادت حنقته عندما رأى جوازي السوري وابتسامتي الخفيفة ..
سألني باقتضاب: شو جاي تعمل هون؟
رددت بنفس الاقتضاب: سياحة !!
نظر إلى وجهي مرةً أخرى وقد زادت حنقته وغضبه بعد أن رأى اسوارة علم الاستقلال في يدي اليمنى ..
وردّ بغباء واضح: سياحة .. ما هيك !!
ثم ما لبث أن رفع سماعة بجانبه وتكلّم فيها كلمات بسيطة منعني الحاجز الزجاجي من سماعها بوضوح ..
ليصل على الفور رجلي أمن قال واحد منهما بسرعة وبدون تفكير: تفضل معنا ..
لم يمنحاني فرصة للتفكير أصلاً !!
اقتادانني بهدوء داخل أحد الأبواب الخلفية لصالة الجوازات، كان ما يشغل عقلي حينها جواز سفري الذي بقي عند الضابط وشنطتي التي أيقنت أنها لن تعود إليّ مرةً أخرى !!
صعدنا ونزلنا ودخلنا وخرجنا من أبوابٍ كثيرة، لم أفق من صعقتي إلا عندما دخلنا إلى غرفةٍ فارغةٍ إلا من كرسي حقير وطاولة تكاد تصلح كأي شيء إلا أن تكون طاولة !! وكرسي آخر موضوع في المقابل ..
وذات الصوت الآلي الذي يخرج بدون تفكير انطلق مرة أخرى ليقول: استنى هون ..
وأغلقا الباب وخرجا ..
لم أدرك أبعاد كلمة: استنى هون، ولم أعرف مدة الانتظار عندما دخلت، تخيلت أنها ستكون ربع ساعة أو ساعة على الأكثر !!
لم أدرك أنني سأنتظر في هذه الغرفة ساعاتٍ طويلة ومتواصلة بدون أي شيء !!
أيقنت أنها غرفةٌ للتحقيق .. لم أعرف سبب عدم احتجازهم لي في حجز المطار المعتاد، وسبب منعهم لي من رؤية أناسٍ آخرين ..
بالنسبة لي هي المرة الأولى التي يتم اعتقالي فيها !!
لم أدخل إلى قسم شرطة في حياتي قبل هذه المرة إلا عندما سُرقت سيارة والدي !! وكانت التجربة الأولى لي بالنسبة للحجز التعسفي هي في غرفة أمنية من غرف المطار !!
كنت أفكر كثيراً وكثيراً .. خلت لثانيةٍ أن كل من في المطار سيستمع للضجة التي يصدرها عقلي والأسئلة المليون التي تُطرح في وقتٍ واحد طالبةً إجابة، كنت أفكر أن الناس سيسمعون صوت عقلي ويندفعون بالأفواج إلى الغرفة ليحرروني !! فلا أحد يرضى بالظلم !! هكذا أقنعت نفسي !!
ولكن لم ألبث أن نفضت هذه الأفكار “الغبية” من رأسي مذكراً نفسي بأني لا أعيش في المدينة الفاضلة !!
حاولت أن اتصل بوالداي لأخبرهم عن الحال التي وصلت إليها، ومددت يدي إلى جيبي الأيمن الذي اعتدت أن أضع هاتفي المحمول فيه لأتفاجأ بعدم وجوده، ولأستحضر صورة ذلك الغبي الذي جاء ليعتقلني في المطار ورائحة فمه التي تشبه رائحة قطة ميتة وهو يفتشني عندما أدخلني إلى الغرفة، وألحق عملية التفتيش بمصادرة محفظتي وساعتي وهاتفي النقال وجهاز الآيباد الخاص بي !!
كنت وقتها مشلولاً ومصعوقاً ولم أقدر حتى على الكلام ..
عدت لأجلس على الكرسي الذي أصدر أصواتاً خلت أن عمّان كلها سمعت صوته !!
وعدت إلى ذات التفكير المزعج، وسمعت صوت حركةٍ خفيف جداً، أنصتّ للصوت فإذا به يتكرر مرة أخرى، رفعت رأسي باحثاً في الغرفة عن المصدر، إذ تخيلت الصوت داخل الغرفة، وصدق توقعي، لقد تمّ تثبيت كاميرا مراقبة في زاوية الغرفة، وكان هذا الصوت هو صوت حركتها ..
إذاً أنا مُراقَب !!
لا أعرف مصدر غباء حكوماتنا العربية !!
ماذا يفعل رجل لوحده في غرفةٍ فارغةٍ من أي شيء، وما هي فائدتهم من مراقبتي ..
لم أعرف وقتها أنّ كل حركة وكل سكنة تصدر منّي يراقبها خبير نفسي يجلس متسمراً أمام الشاشة طوال اليوم ليحلل حركاتي ويحلل حالتي النفسية !!
مضت ساعاتٌ كثيرة، كنت أضع رأسي على الطاولة محاولاً النوم، ثم أدرك أن محاولاتي كلها من باب العبث، أقوم وأتحرك وأتفحص الغرفة الفارغة، لا يوجد فيها أي شيء غير الطاولة والكرسيين، ولا يوجد فيها أي شباك، مما زاد من نقمتي وتفكيري حول الوقت وما يحصل في الخارج ..
كان الضوء في الغرفة جيدٌ نوعاً ما، ومصدره لمبة صفراء يتيمة ترسم ظلالاً كلما تحركت تثير في قلبي شيئاً من الفزع والرهبة .. وقد تكون سبب جودة الضوء هو فعالية عمل كاميرا المراقبة، هكذا قلت في نفسي، ولو أرادوا عدم مراقبتي لاستبدلوه بضوء سيء .. فلا أظنهم سيقصرون في ذلك !!
لا يوجد شيءٌ لأفعله !! هكذا أقنعت نفسي !!
فعدت جالساً مرة أخرى .. وخطر في بالي أن أطرق الباب ..
قمت مستجمعاً قواي وطرقت الباب الحديدي ..
انتظرت كثيراً قبل أن أسمع صوتاً حازماً يقول من وراء الباب: شو بدك؟
قلت له: أنا ليش هون؟
رد: وأنا شو بعرفني !! مو لتسأل حالك شو عامل !!
رددت: ايمتى بدي أطلع ..
فقال: علمي علمك خليك قاعد وساكت أحسن لك !!
عدت إلى ذات المقعد جالساً محاولاً الاسترخاء ..
لم أعرف كم من الوقت مضى عليّ في الغرفة حين سمعت صوت المفتاح يدور فاتحاً للباب، وأطلّ ضابط أمن توقعت مركزه الرفيع عندما رأيت الكم الهائل من الأشياء التي يضعها على كتفه !!
دخل إلى الغرفة وبدون سابق إنذار قال لي: وقف لشوف ..
ونادى بصوته الأجش: يا أبو الليل ..
دخل أبو الليل هذا، وهو في صورة أقرب إلى البغل منه إلى الإنسان السويّ !!
فلقد تهدلّ كرشه الضخم أمامه، وخلت القميص سينفجر عن جسده، واأسفي على الحزام الذي أيقنت معاناته عندما رأيته سيتقطع محاولاً الإحاطة بذلك الكرش الضخم !!
اقترب أبو الليل ووجهه يتطاير منه الشرر ..
استذكرت كل روايات السجون التي قرأتها في حياتي تلك اللحظة ..
من القوقعة إلى السجينة إلى خمس دقائق وحسب ..
لماذا يتكرر هذا الشخص البغلي الأبله دائماً فيها ؟!
أيقنت حتمية وجوده في كل السجون الأمنية العربية !!
بدون سابق إنذار كمّم فمي وأنفي وأغلق عينيّ .. وكان آخر شيء رأيته فيهما ذلك الوجه البغلي الغبي !!
ثم ربط معصميّ وأمسكني من رقبتي دافعاً إياي بعنف ..
أحسست أننا خرجنا من الغرفة وبدأنا برحلةٍ طويلةٍ من السلالم والأبواب ..
انتهت ببابٍ أحسست بعده بأنني خرجت من المباني وأحسست بالهواء الطلق يداعبني وسمعت صوت أذانٍ من بعيد .. لم أكن أعرف أي صلاةٍ هذه، آخر عهدي بالساعة تلك التي رأيتها معلقة في المطار حين وصولي والتي رأيت عقاربها تشير للخامسة مساءً ..
توقعت أنه الفجر، فلقد كان النسيم خفيفاً والهواء لطيفاً ..
أحسست بذات اليد تدفعني بقوة إلى داخل سيارة، وفي المقعد الخلفي منها تحديداً، وبرجلين جلسا بجانبي وأحاطا بي، وسمعت أصوات أربع أبواب تغلق، فأدركت وجود أربعة أشخاص في السيارة غيري، لم أكن في حياتي محاطاً بهذه الكمية من رجال الأمن من قبل !!
سارت السيارة مسرعة، أحياناً كنت أميل على أحد الأطراف مما يجبرني على استنشاق الرائحة العفنة التي تنبعث من الرجل الذي جلس بجانبي !!
فأدعو الله في سرّي أن يخفف السائق سرعته عند الانعطافات ولا يجبرني على استنشاق هذه الروائح ..
خطرت في بالي فكرة أن هذه أول ليلة أقضيها في حياتي في عمّان !! لقد أحسنت الحكومة الأردنية استضافتي في أول ليلة .. هكذا فكرّت !!
مضى وقتٌ ليس بقليل قبل أن أحس بالسيارة تتوقف، وبالأبواب تفتح، وسحبتني يدٌ من كتفي بقوة وأنزلتني من السيارة، وعادت ذات اليد لتمسك بي من رقبتي وتسيّرني ..
أحسست بنفسي أدخل إلى مبنى مرةً أخرى واستمرت سلسلة الممرات والأبواب والأدراج تتكرر مرة أخرى ..
حتى فتح مرافقي باب وأدخلني إلى غرفة وبدأ بفك وثاقي وفك عصبة عينيّ ..
كانت غرفة حقيرة ووضيعة أكثر من الأولى، مع تشابههما الكبير في الأثاث ..
إذ إن نفس قطع الأثاث كانت موجودة في الغرفتين ..
ذات الكرسيين في وضعهما وذات الطاولة موجودة ..
أغلق الباب بعنف وجعلني في حيرةٍ من أمري ..
تذكرت وقتها أني لم أصلي أي صلاةٍ منذ أن هبطت الطائرة ..
لم أعرف كيف السبيل إلى الصلاة وما هو اتجاه القبلة ..
وقطع سلسلة أفكاري دخول رجل محترم بلباس مدني إلى الغرفة حاملاً أوراقاً في يده اليمنى ..
توسمت في وجهه الخير وفاجأته بجملة مباغتة : بدي أصلي ..
فنظر إليّ بغرابة قائلاً : معلوماتي إنك ما بتصلي !!
فقلت له : كيف عرفت وهي أول ليلة إلي بعمّان وأول مرة بحياتي بيعتقلوني ..
فضحك ضحكة قصيرة قائلاً : اعتقال …!!
قلت له : شو بتسميه هاد لكن ؟!
فرد: هي نحن جايين ندردش معك شوي !!
قلت : الآن قبل كلشي بدي صلي !!
فقال : ايه مو مشكلة ازا مصرّ !!
ثم خرج دقيقة من الغرفة وعاد إليها ومعه رجل يحمل سجادة صغيرة قديمة فرشها لي على الأرض في اتجاه القبلة ..
وقال لي : الحمام آخر الغرفة ..
لم أكن قد رأيت باب الحمام عندما دخلت إلى الغرفة أول مرة ..
توجهت إليها وتوضأت ..
ثم عدت إلى الغرفة لأرى الرجل استقرّ خلف الطاولة متصفحاً أوراقاً كثيرةً بين يديه ..
استقبلت القبلة وصليت المغرب والعشاء والفجر ..
عندما انتهيت قال لي : خلصت صلاة تراويح ولا لسا ؟!
قلت : ما صليت من مبارح ..
قال : مو مشكلة هي صلاة وصليت ، اجلس ع الكرسي وخلينا نخلص …
جلست على الكرسي المقابل له ..
وبدأ بطرح الأسئلة ..
وأنا لا أملك حيلةً إلا الجواب ..
وبصراحة .. كنت أجيب بصدق !!
فلم يتعامل معي أحدٌ بهمجيةٍ أو بضربٍ حتى الآن .. ولم أكن مكترثاً لشيء !!
بدأ بالسؤال حول حياتي الشخصية .. حول مولدي وتاريخه .. حتى أنه سجّل في سجلاته مشكلة تاريخ ميلادي الأزلية !! وهي غباء موظف التسجيل في السفارة السورية في السعودية وكتابة شهر الميلاد ٢ بدل ١٢ ليصبح عمري زائداً عشرة أشهر عن تاريخ الميلاد الحقيقي !!
سأل عن كل شيء في حياتي .. أبي وأمي وأخوتي .. من منهم متزوج ومن منهم له أولاد ..
ماذا أعمل .. وماذا أدرس ..
وأين سافرت .. وما هي البلاد التي زرتها في حياتي ..
وماذا أفعل في السعودية ؟
وهل لي أي نشاط حزبي أو سياسي من أي نوع ؟ وهل لأبي أو لأحدٍ من أهلي أي نشاط سياسي ؟
ولماذا قطعت عامي الجامعي الأخير وهو في بدايته ذاهباً إلى الأردن ؟
ولماذا كذبت على ضابط الجوازات وأخبرته أنني قادم في سياحة !!
أجبت عن كل الأسئلة .. حتى نشف ريقي ..
وبدون سابق إنذار قال لي : تعال وقع ..
وقعت بعفوية !! فلملم أوراقه وخرج من الغرفة بدون أي كلمة ..
استرجعت ذكرى الليلة الماضية من الانتظار الطويل الذي لا ينتهي ..
وخلت للحظة أنني سأكون ضحية ذات الانتظار المقيت اليوم أيضاً ..
ولم ألبث أن أكملت تفكيري حتى فاجأني عنصر أمن يقتحم الغرفة، كان هذه المرة منظره نحيلاً وليس بغلياً كأبي الليل عنصر الأمن في المطار .!!
تقدم نحوي بخطوات سريعة، أعاد توثيق يديّ وتكميم فمي وأنفي ..
وعادت سلسلة الأبواب والسلالم التي لا تنتهي للمرة الثالثة منذ أن وضعت رجليّ في عمّان !!
حتى خرجت من المبنى واستقليت سيارة مرة أخرى ..
نفس المشهد الصامت يتكرر ونفس الأشخاص الأربعة الصامتين في السيارة مرة أخرى !!
توقفت السيارة بعد رحلتها الطويلة، وأنزلوني منها ..
أدخلوني إلى مبنى .. وهذه المرة لم يكن هناك أدراجٌ طويلة أو أبواب كثيرة !!
أدخلوني إلى زنزانة وفكوا وثاقي على عجل ووضعوني مع عشرة أشخاص آخرين ..
ألقيت السلام .. رد عليّ رجلٌ واحدٌ بلكنةٍ مغربية كان يجلس في آخر الغرفة المظلمة ..
تفاجأت بسماع أصوات الطائرات تهبط وتقلع فأدركت أنهم أعادوني للمطار مرة أخرى ..
ذهبت وجلست بجانب الرجل الذي ردّ عليّ السلام وتعارفنا .. كان من المغرب وتكلمنا كثيراً فعرفت منه أنهم يدخلون المساجين إلى هذه الغرفة والتي يطلق عليها اسم “حجز الترحيل” في المطار ..
ففهمت أنني لن أستطيع النزول في عمّان وأنهم سيعيدوني مرة أخرى إلى السعودية ..
ترقبت وصول أي عسكري لأسأله عن حالتي وفعلاً جاء ذلك العسكري الذي يحمل معه طعاماً للمساجين ..
سألته إن كنت أستطيع السفر ومتى يمكن لي ذلك ..
فأجابني : الضابط المسؤول لسا ما وصل .. استنا ..
وبعد زمن ليس بالقصير انفتح باب الزنزانة ونادى ذات العسكري اسمي ..
خرجت إليه .. وإذ به يضع قيداً في يدي اليمنى مربوطٌ في الناحية الأخرى بيده ..
ويقتادني نحو مكتب فخم نسبياً إذا ما قارناه بالمكاتب التي رأيتها في غرف التحقيق الليلة الماضية ..
سألني الضابط الجالس باقتضاب : وين بدك تروح ؟!
قلت له : على سوريا ..
قال : مستحيل .. مافي طيران ع سوريا .. وتعليماتنا أنو نرجعك للمكان اللي جيت منو
فتسائلت في نفسي عن جدوى السؤال الغبي الذي سألني إياه في البداية عن الوجهة التي أريد الذهاب إليها !!
قلت : مو مشكلة .. برجع ع السعودية بأول طيارة ..
قال : معك مصاري ؟!
قلت : أخذتوها مني أول ما نزلت !!
فأشار للعسكري الذي كان معي، ففك وثاقي وأجلسني وخرج من الغرفة ثم عاد بعد لحظات ومعه كل الأغراض التي كانت بحوزتي ( المحفظة، الساعة، الآيباد، الهاتف المحمول، وحتى شنطتي التي رأيتها آخر مرة في الرياض !! )
استغربت من وصول كل شيءٍ سليم وغير منقوص أبداً !!
حتى المبلغ المالي الذي كان في المحفظة كان سليماً ولم يُمسّ !!
المهم سألت الضابط عن ثمن التذكرة فابتسم ابتسامة خبيثة وقال لي : شو شايفني مكتب طيران ؟!
أشار للعسكري مرة ثانية فأعاد تقييدي ولملمت أغراضي بسرعة وسحبت الشنطة خلفي بيدي الأخرى ..
وتوجه بي نحو مكتب حجز في المطار .. وقال له : إلى الرياض ..
حاسبت موظف المكتب الذي كان ينظر إليّ باحتقار وكأنني ارتكبت جرماً !!
وقال لي : الرحلة الساعة ٣ العصر ..
أعاد العسكري اقتيادي مرة أخرى نحو الزنزانة ..
مرّت الساعات بطيئةً حتى فتح العسكري باب الزنزانة ونادى اسمي ..
قمت من مكاني ولملمت أغراضي وأعدت سحب الشنطة مرةً أخرى ..
هو أعاد تقييدي ومشى معي حتى باب الطائرة .. بل حتى الكرسي المخصص لي للجلوس عليه في الرحلة !!
وظلّ واقفاً عند باب الطائرة خائفاً أن أنزل منها قبل الإقلاع !!
أُغلقت الأبواب .. وأقلعت الطائرة ..
وانتهى حلمي ببلوغ بلدي والمساهمة في ثورته .. علماً أنها لم تكن المحاولة الأولى لي .. ولكنها الأكثر أحداثاً !!
وأخيراً ..
– لم يحصل معي شيء .. ولم أعاني أي معاناة إذا ما قورنت بمعاناة أبطال بلدي في معتقلات سوريا ..
– لن أذكر اسمي فلست طالباً لشهرة ولكن هدفي من نشر القصة هو تحذير أي شخص يريد الذهاب إلى سوريا في هذه الأيام من الذهاب إليها عن طريق الأردن .. فطريق تركيا أسلس وأسلم ..
– استغربت كثيراً من مواقف حصلت لي مع الأمن الأردني كان أغربها بالنسبة لي عودة كل أغراضي سليمة وغير منقوصة أو مسروقة .. ولو فرضت أني اعتقلت في سوريا لكنت نهبت ولما بقي معي شيء !
– كما أنني لم أتعرض للضرب، وعيني على أبناء بلدي المعتقلين والذين يذوقون ويلات العذاب والآلام الجسدية في المعتقلات الأسدية ..
– كما أن المحقق استجاب لطلبي بالصلاة بكل سهولة، ولو كنت في سوريا لذقت الأمرين بمجرد ذكر الصلاة أمام أي محقق أو عنصر أمن، وإن كنت أريد معرفة مصدر معلومات المحقق التي أفادت بأني لا أصلي!! أظن أنّه حسبني شيوعي أو ماركسي !! لا أدري ؟!
– يجب أن نفصل بين الشعب والحكومة في أي موقف .. فأنا متأكد أن أحرار الأردن لن يرضون بما تعرضت له من اعتقال تعسفي، ولذا لا أريد أن ينعكس أي موقف سلبي على الشعب الأردني من خلال قصتي ..
– أخيراً .. هذه أول ليلة في حياتي أقضيها في عمّان !! يا للمفارقة الغريبة .. من كان يعلم أنّ أول اعتقال لي في حياتي سيكون في مدينة لم أزرها قطّ !!
والحمد لله ربّ العالمين ..
تمّت ..
إ.ح.