ماذا الآن؟
مر شهران و شارفنا على نهاية الثالث و مازالت المظاهرات مستمرة و تعنت الحكومة السورية مستمرة…
بادئ الأمر سأحاول اختصار بعد النقاط السلبية و الإيجابية التي رافقت هذا الحراك الثوري:
١- قاعدة المظاهرات تتوسع لتشمل مناطق اكثر من سوريا، رغم كل العنف اللي عم تواجهه و رغم الغبن الرسمي بحقها على المستوى العربي و العالمي.
٢-حراك ثوري هدفه الحرية بشكل رئيسي، بدليل عدم توقفه بكل المحاولات الغاربة بشرائها مثل رفع الرواتب و خفض اسعار الوقود و تعديل الحكومة و غيرها من المحاولات الهشة و المراسيم المبتورة
٣- فتح آفاق طبقة واسعة من الشباب و ظهور حديث منطقي و انفتاح على العالم و الأفكار المختلفة و حس فني مميز بل و حتى أن كلامهم أجمل و أقرب لعامة الشعب من كلام كثير من “ديناصورات” الرأي و الكتابة التي تحتكر صفحات الجرائد و مواقع الانترنت
٤-هدوء و قدرة على ضبط النفس و ابتعاد بالإجمال عن صيحات الحرب و الثأر
بالمقابل؛
١- اقتصار الحراك الثوري على التظاهر و مخاطره على المتظاهرين و كنتيجة لاستشراس الأمن لم يستطع ان يرقى لمرحلة اعتصام طويل الأمد. و كذلك عدم قدرته حتى الآن على إقناع الشعب بممارسة الإضراب و المقاطعة كوسيلة.
٢- عدم وجود رؤية واضحة لمرحلة ما بعد الثورة و غلط كبير بين الثورة و الايدولوجية. و سببه تخبط المعارضة الممزوجة بين شيوعيين قدامى يغرقون بإعادة احياء حلم ماركسي و بين إسلاميين يرغبون بتحويل الثورة إلى غزوة و القرأن إلى دستور و رجال أعمال يحلمون بدولة رأسمالية حقيقية و أخيرا شباب تسحرهم الأفكار الأشتراكية و أفكار الوسط و أفكار لينين و أفكار البنا وأفكار اليمين الرأسمالي و يتناقشون حولها متناسين أنه هذا النقاش باكر لوقته.
٣-بعض الحالات التي تم فيها ضياع للتحكم الذاتي و ضبط النفس و اللجوء إلى العنف و إن كانت متفرقة و قليلة العدد (هناك تضارب كبير بالأخبار التي تتعلق بوفيات رجال الأمن و أفراد الجيش) و لكني شخصيا لا أؤمن البتة بالمقولات حول وجود عصابات حقيقية بين المتظاهرين أو انتشار السلفيين على غرار ما عانت منه بعد الدول العربية سابقاً أو وجود تمويل خارجي من قبل أمراء حرب.
على ماذا نحن مقبلون؟
برأيي اعتقد أن النظام الحالي تلقى الرسالة التالية و استوعبها جيدا “أن أيامه محدودة” و أسباب ذلك عدة منها أن هذه الفوضى كلفته أعباء كثيرة هو غير قادر على تحملها، فبغض النظر عن المنح الاقتصادية السابق ذكرها، هناك العقوبات الأوروبية و الأمريكية و التي ستؤدي إلى تخفيض المعونات و إلى عزل رموز النظام الاقتصادية من متابعة قيامهم بصفقات جديدة. و هناك أيضاً تكلفة الجيش و قوات الأمن التي تم تحريكها و الاستنفار المستمر و غياب الاستقرار اللازم لاستثمارات جديدة و تهديد السياحة. كل ما سبق قد يؤدي إلى أعباء مخيفة للنظام قد تؤي ربما إلى اضطراره إلى عدم دفع رواتب موظفيه من القطاع العام و لا يخفى على الجميع أن ذلك سيكون بمثابة رصاصة انتحار. عدا أن الفساد المستشري و الخسارات المترتبة و البنية التحتية الخاطئة لن تشكل ركيزة لنهضة إصلاحية حقيقية. هناك أيضاً انتشار “الخراتيت” الموجودة بكل هيئات الدولة التي لن تتورع عن وضع “العصي بالدواليب ” و عرقلة كل عمل اصلاحي بحثا عن منفعة شخصية كما اعتادت دائماً. أخيرا لم يعد خافيا غياب الثقة بين كثيرين من الشعب من جهة و الحكومة من جهة و غياب الثقة أيضاً بين افراد الشعب نفسه و انتشار الهوس الزوري (كل واحد موالي هو مخابرات، مغرر به و انتهازي و كل واحد معارض هو سلفي، مندس، متآمر). والحل؟
الحل هو حل سياسي ، “أو هي الحرب”: أعتقد ان النظام و للأسف لديه القدرة على تجاوز القذافي و صالح بتعنتهم و إيصال الوضع الداخلي السوري إلى تدهور خطير، على مبدأ الأرض المحروقة و علي و على أعدائي. و كم أرغب أن أكون مخطئا.. لذا هنا نصل إلى لب الموضوع: هل يريدها الشباب الثائر و المعارضة ثورة أخلاقية و مثالية و أن يتحملها كامل المسؤولية لتبعات هذا القرار.أي هل لا يقبلون إلا بتنحي بشار و محاسبته مع باقي رموز النظام بظل القانون، أم يقبلون بحل يسمح له فقط بمغادرة البلاد دون محاسبة. أم و رغبة بحقن الدماء يمكن أن يقبلوا باستمراره بالحكم ضمن مدة محدودة و دون محاسبة بالنهاية ريثما يتم التهيئة لانتخابات رئاسية لا تسمح له و لحزبه بالبقاء، أم و أخيرا بسبب انتشار تأييد حتى هذه اللحظة،تأييد كمي هام موجود و لا يمكن إنكاره. ( كمثال هاهما القذافي وصالح حتى هذا اليوم قادران على اخراج مسيرات تأييد) و بالتالي يمكن أن يُسمح له بإعادة ترشيح نفسه مع حزب البعث العربي الاشتركي (طبعا بظل مراقبة دولية لعملية الانتخابات بكل الأحوال)
ما المطلوب من المعارضة السياسية و الثوار؟
الابتعاد عن صيحات الثأر
الاستمرار بالحراك السلمي و نبذ العنف و الاستمرار بحملات التوعية و التعالي عن الحروب الإعلامية
الابتعاد عن المزج بين الايدولوجيات لمرحلة مابعد النظام و مرحلة بناء الجمهورية : الايدولوجية هي رغبة لبناء دولة اسلامية أو دولة اشتراكية أو دولة رأسمالية. إلا أن هدف الحراك الثوري ليس هذا، الهدف هو بناء جمهورية جديدة على أسس جديدة و ثابتة تعتمد مرجعيتها إلى مصدقة حقوق الأنسان التي حددتها الأمم المتحدة و على فصل السلطات الثلاث و من ثم إعادة كتابة الدستور لخلق بنية تسمح لكل هذه الأيدولوجيات بالوجود على أرض الوطن و اللجوء إلى الانتخابات و العمل الديمقراطي للتعبير عن نفسها.
التأكيد على أن النظام الحالي فشل على كافة الأصعدة بإدارة سوريا، و لم يكن فشله منحصر على التصدي للحراك الثوري و لجوءه للعنف. النظام الحالي مسؤول عن الفساد و ازدياده بالعقود الأخيرة، مسؤول عن غياب توجه واضح بالسياسة المتبعة بكل خدمات الدولة من الصحة و الطاقة و المرافق العامة و مسؤول عن تدهور الزراعة و الصناعة و مسؤول عن هجرة العقول و السواعد، مسؤول عن غلاء المعيشة و ارتفاع أسعار السكن ، مسؤول عن تدهور العلاقات الخارجية العربية و العالمية ، مسؤول عن تقييد الحريات، مسؤول عن غياب الشفافية بالعمل و مسؤول عن تحويل الجمهورية إلى ملك عائلي و حصر المناصب الحساسة بيد المقربين. و هو مطالب بحال قبول الشباب الثائر و المعارضة ببقائه بتحمل كامل مسؤولياته و الاعتراف العلني بأخطائه و بحال تم اختيار بقائه كلاعب سياسي بالعمل بمطلق الشفافية مع اقتراب شديد من كافة طبقات الشعب و الابتعاد عن صيحات التخوين و المؤامرة الخارجية.
Y.K
.