ماذا بقي من الحرية و الثورة و الكرامة ؟
لا نعتقد أن انظمة كالسعودية و قطر، و بلاد مثل دول الإتحاد الأوربي, و أمة من طراز الولايات المتحدة، و كيان مثل الكيان الصهيوني “الغاشم” لديهم رغبة أن تكون احداث سوريا تشبه حقيقة الجملة السحرية الآسرة التالية
ثورة الكرامة و الحرية
النظام و بكل ما لديه من قدرات و أتباع و منذ اللحظة الأولى قرر أن يسحق أي مظهر ينادي بالحرية و الكرامة و الثورة الحقة
و باعتبار أنه فشل في إيقاف العدوى التي انتشرت من درعا، قادمة من تونس، لتعم سوريا من أقصاها لأقصاها
فقد عمل جاهدا على تفريغ هذه المفردات الثلاث من قيمتها، و عطب الطاقة المتفجرة لمن عاش و بات يعتاش بها
فصارت الثورة .. “فورة” بأدبيات المخابرات و أزلامهم و أتباعهم و تنطعت جماعة “ليس” لتكرر الأسطوانة الشهيرة “مصر ليست تونس، و ليبيا ليست مصر, و تونس و سوريا ليستا ليبيا… إلخ”
وعمل اليسار الضال, و الممانعة الجبارة على النيل من كلمة ثورة بكل ما أوتوا من قوة
الحرية
يمسك إطفائي “بأشلاء بشرية” كأنه يحضن شيئا أعتاد لملمته، مصوبا نظراته على الكاميرا ليقول: “أهذه هي الحرية؟”
يمسك المذيع أكياس البرتقال البيضاء, يضعها أمام العنصر الذي يعمل كومبارس كأحد أفراد حفظ النظام، ويصيح زميله الممثل: “أهذه هي الحرية؟”.
و يتفنن الأشاوس و هم يطلقون النار على المساكن, أو يمثلون بالمعتقلين بألفاظ من قبيل “عطيهم حرية” أو شو هي الحرية؟” أو “بدكن حرية؟”
و الغاية من كل هذا إيصال رسالة: (إذا أردتم الحرية فهذه هي النتيجة, هذا ما سنفعله بكم)
الكرامة
عملت الجموع المنسرحة من عقال العقل على ربط الكرامة بطول سيادة الرئيس، فهو الوحيد الذي يمثل القامة الوطنية للكرامة، أما باقي السوريين فقد تفنن النظام في جعل كرامة الأحياء منهم و الاموات تنتهك بعلنية لم تعهد من قبل، حيث ذهب بها إلى أقاصي العنف و الاستباحة و التشويه و الإهانة, و قام بنفسه أو عن طريق أتباعه بتسريب الفيديوهات و الأخبار و المشاهد الصادمة و المؤلمة و الموجعة التي تنتهك كرامة الميت قبل الحي، و هدرت كرامة سوريا على يد النظام و عنفه و عنجهيته فرأينا طرد سوريا من الجامعة العربية، ثم لتصبح سوريا الأسد مضغة في فم أعتى السخفاء و مجرمي الحرب يقدمون لها النصائح الأخلاقية، و تحول السوريون لأول مرة في تاريخهم إلى لاجئين يستحقون الشفقة في الدول المجاورة، و أضحت كرامة البلاد و العباد ممروغة في التراب
الحرية و الكرامة و الثورة
ثلاثة مفردات غالبا ما كانت الانظمة العربية الثورجية تستهلكها و تحولها إلى ألفاظ جوفاء خالية من المعنى و المبنى و الطاقة و العمل
لكن الثورة السورية في بداياتها تلمست القيم الداخلية العميقة بحدود مفتوحة لهذه المفاهيم، فأصبحت تشكل خطرا ليس فقط على النظام السوري الذي نجح فقط في تأجيل رحيله (و سيحتاج ربما إلى عام آخر قبل التفكك النهائي)، بل أيضا على باقي الكيانات العربية المنتهكة
و هنا علينا التذكير و التنبيه إلى أن الأنظمة العربية التي تدعي موالاة الثورة, و الأوربيون المشغولون بوضع اليورو و كوارث الاتحاد الهجين، و الولايات المتحدة المنكمشة على نفسها، و الكيان الصهيوني الذي يراقب بعيني ثعلب مرعوب, ) لديهم جميعا الرغبة ألا يكون العنوان العريض للحالة السورية (حرية، و كرامة، و ثورة )… لأنهم ببساطة يعرفون جميعا أن هذه القيم الثلاثة بعمقها و طاقتها و قدراتها ستصل إليهم و تربك حسابتهم، و تغير خارطة المكان و تعد الزمن لزمن آخر ..
القرار بوقف الربيع العربي عند دمشق قرار أممي، أما تصفية الحسابات مع نظام الاسد فهذا ما يسمى “بعرف القذارة الاخلاقية “سياسة” أو “نصرة للشعب السوري
من هنا يبدو العرب (تحديداً) مندفعين للمشاركة السياسية في الثورة ليس لحمايتها أو كما يدعون – رغم صحة بعض ما يقولوا – بل لتطويقها في حال نجحت و التشويش على معنى الكرامة و الحرية خوفا من عدوى تصل إلى الإنسان في الخليج العربي ليبدأ بطرح السؤال على نفسه عن قيمة الحرية و الكرامة الإنسانية الحقة
معارضة بلغة النظام
ما حصل في سوريا يفهمه من ثار من السوريين على الأرض بعمق أكبر لسبب بسيط: لأن أرواحهم غير قابلة للتشويش و حسابات الربح و الخسارة عندهم تساوي صفرا، و قيمة الثورة في داخلهم يماثلها (سبارتاكوس نفسه), فالناس الذين أعلنوا الغضب و انتصروا لكرامتهم و حريتهم لم ينفع معهم كل أنواع الموت و الاستباحة و القتل، فكانت ردة فعلهم الأولى إسقاط الرمز الذي يمنع عنهم الكرامة و الحرية المتمثل برأس النظام. فتدحرجت رؤوس “فزاعات” المؤسس المخيف لجمهورية الخوف، و حرقت صوره، و ثقبت تماثيله، ثم انتقلوا إلى ابنه الذي بدأ قمعه بعمليات جراحية محددة لينتهي بعمليات تشليخ أوصال البلد ليصل إلى النتيجة التالية:
“اليوم الذي أتوقف فيه عن القتل، أنتهي “
كل ما يملكه النظام اليوم هو مضخة قتل متنقلة، لذلك هو يجر الثورة إلى المكان الأكثر ملائمة لحماية نفسه العنف بكل معانيه، فانطلقت آلاته و مكناته الإعلامية للتشويش على المفردات الثلاث المخيفة
بنفس الوقت بدأت الثورة تتحول إلى معارضة, و هذا أخطر ما في الأمر, و شرب ممثلي الثورة الطعم كسمك قصير الذاكرة. فالمعارضة تعني شرعية النظام, و المعارضة كلمة فضفاضة سياسيا و ثقافيا لم يصل الواقع السوري إليها بعد، و المعارضة مرحلة متقدمة من العمل السياسي و الفكري و الاجتماعي تحتاج إلى أرضية حزبية واضحة و فكرية محددة و برامج عمل اجتماعية و تنموية و أخلاقية ..إلخ
فكانت الخطيئة الأولى: على الأرض لدينا ثورة كرامة و حرية، و على الفضائيات لدينا ممثلين لمعارضة غير موجودة أو لم تتشكل بعد
إذا كان أحد يظن أن المجلس و الهيئة و المنبر و التجمعات هي معارضة, فنذكره إنها محاولة لخلق الائتلاف النفسي لا الواقعي الذي نشأ بالايحاء من الخارج… العرب و الاوربيين و الأمريكان و الروس, و لم يكن من وعي الضرورة الداخلية للثورة, و هو ما سيضع في داخلها كل أنواع الألغام و المتفجرات و التشويش لحرفها عن الثلاثية الأصلية لروح الثورة
عمل النظام على إطلاق كل أنواع الزعران و المساجين الجنائيين, و إرخاء قبضته الأمنية من الناحية الجنائية لنشر الخطف و السرقة و تهديد الأمان الاجتماعي في البلاد لتحقيق الردع النفسي للوصول بالشعب إلى نتيجة واحدة: “نريد الأمان (فقط)”، و بالعامية “يلعن أبو الحرية على ابو الثورة نريد ان نعود إلى ماقبل هذه (المؤامرة)”
و للخارج أطلق النظام بحركة خبث, تعرف الولايات المتحدة كيف تلتقطها, أطلق سراح أخطر معتقلي تنظيم القاعدة: 216 معتقلا تبعهم بثلة من إرهابي القاعدة على رأسهم أبو مصعب السوري, و تساهل بدخول جماعات لديه خبرة كبيرة بتصنيعها أو اختراقها امنيا. كل هذا من أجل حرف النظر عن أعلام الثورة و شعاراتها باتجاه أعلام السلفية و القاعدة و جماعاتها.
قيادة الثورة السورية تحتاج إلى وطنين من طراز خاص
في المناطق الثائرة بالداخل فّرغ النظام قيادات الثورة من الصفوف الاولى، تهجيرا, قتلا, أو سجنا ففقدنا أكثر من ثمانين ألف ناشط حقيقي بين المنفيين القسريين أو المسجونين أو الشهداء, فآل الحراك للصفوف الخلفية التي هي الاكثر حماسا للتسليح و الانتقام و الاقل خبرة سياسيا، و بدأت بعض الفصائل المعارضة تسير وفق ردة الفعل التي وضعها لها النظام كمنعكس شرطي على العنف بالعنف المضاد
أخذت هذه التجمعات رويدا رويدا تتماهى مع النظام كمضاد له باستخدام وسائله بدلا من ابتكار لغة جديدة للثورة. فهي تشتم, و هي تمارس العنف اللفظي, و هي تقصي, و من الطبيعي أن تقتل و تعذّب أيضا,
فجأة، اكتسحت لغة الثورة مفردات “الصحوة الإسلامية” “الأكثرية” “الأعلام السوداء” و بعض المفردات الطائفية, و تقدم الحديث عن “الجهاد” بدون مسؤولية, و رفعت خطابات و لافتات تثير الحنق, و طبعا بعض هذه المفردات ليست معيبة بالحالة العادية و لكنها تحولت من جزء للحرية و الكرامة العامة لكل السوريين, إلى كلٍّ تحته تنضوي مفاهيم الثورة و الحرية و الكرامة أو حتى تتلاشى أحيانا
نجاح النظام من أخطاء “إعلام الثوار” و تقدم الثورة من سلوك النظام
كان هذا النجاح للنظام في جر الثورة إلى مقلب الشعار “المخيف” هو الذي أعطى كل صنّاع القرار العالمي، و بنية النظام الحيوية مراجعة تفكيرها حول ما يحدث في سوريا
على هامش هذه النتيجة، ساهمت تسميات أيام الجمع المضحكة أحيانا, و الخالية من الكرامة في أحيانا أخرى, و الخالية من الحرية في أكثر الأحيان, بتأكيد الواقع و الوقائع, فنجى النظام حتى اليوم من السقوط لا بل نجح في تأجيل سقوطه لعام آخر و ربما إذا بقي النهج الحالي فإن سوريا ستذهب إلى سنوات من الدم شبه المجاني
خلاصة الحل
إعادة الاعتبار اللفظي و المعنوي للمفردات الثلاث: ثورة الحرية و الكرامة. لتكون شعارات للفصائل المسلحة التابعة للثورة و ليست المستغلة لها “فلم يعد الجيش الحر وحيدا و فوضى السلاح بدأت تعم البلاد”، و تثبيت خيار المقاومة الشعبية دائما كثابت أساسي في المشهد, و طرح المتغيرات كرديف فقط
فالكفاح المسلح يكون دائما لتحقيق هدف سياسي وليس العكس
إعادة استشراف الثورة و بوصلتها السورية للسوريين، لروح الثورة الحقة, و لطاقة السوريين جميعا على مختلف مشاربهم و اتجهاتهم و أفكارهم. ثورة مدنية الروح, قوية الساعد, فما حدث و يحدث يؤكد أن من يريد لجسده أن يحك بأظافر غيره “تمزقه المخالب”. السوريون لا يحتاجون أحد فمن يقف مع الثورة السورية يقف مع ضميره و أخلاقه فلا منية لأي كان مهما كان و أينما كان مادام ليس سوريا
و الحقيقة أن بعض المعارضين يعرفون جيدا ألا مستقبل لهم في ظل ثورة وطنية, لذلك لا يتوانون عن إهدار ماء وجههم بتسول كل أنواع التدخل و جر الثورة لتفقد كرامتها بتسول النخوة و تهويل الموت, و رغم ذلك لم تنفع كل الوصفات لحث حكومات العرب و المسلمين و العالم على التحرك، أصلا لا أحد يريد التحرك
أصحاب القرار في الإعلام الثوري أراقوا كرامة ثورة “الكرامة” و هم يستنجدون أين العرب أين المسلمين؟
ولو إن الجهد بذل لدعم خطاب المقاومة المدنية الشعبية بكل أشكالها الوطنية, لكنا انتهينا منذ أشهر
كل الأفعال تبدأ باللفط و اللغة
لن نقلل بعد اليوم من شأن أي خطاب و لغة تزيح عن ثلاثية سوريا الحرة. كل من يريد غير ذلك هو قاتل إضافي يضاف إلى قائمة القتلة
تعليقان
تنبيه: ماذا بقي من الحرية و الثورة و الكرامة ؟ « مختارات من أحداث الثورة السورية
اول جملة تنهي كل منطق يمكن ان يحمله المقال… ثورة الكرامة و الحرية لا تقوم بفرض سوء النية و معاداة الدول الأخرى…