تابعت، كغيري، وبكثير من الاهتمام الخطاب الرئاسي الذي وجهه السيد “باراك حسين اوباما” للشعب السوري وانتظرت، أيضاً كغيري، ما سيقوله سيد العالم الحر لطمأنة السوريين الذين يعانون التهجير والبرد والذين يتعرضون للقتل بالجملة والمفرق.
من جهتي، اشتهيت أن ينهي السيد “اوباما” خطابه على طريقة الراحل “كينيدي” فيقول “أنا دمشقي” أو على اﻷقل على طريقة الرئيس “ريغان” الذي خاطب “مناحيم بيغين” : “قلت لك أوقف قصف بيروت فوراً…”. لكن أملي خاب أيضاً حين أنهى الرئيس اﻷسمر خطابه على منوال “اﻷم تيريزا” متمنيا توقف عذاب السوريين على مبدأ “اصبروا وصابروا..”.
من يستمع لخطاب الرئيس “اوباما” لا يستطيع ٳلا أن يتحسر على ما آلت ٳليه حال الدولة الديمقراطية اﻷعظم والتي يكتفي رئيسها بتعداد “الحفاضات” والمساعدات اﻹنسانية التي أرسلها ﻷطفال سوريا ويعد بأريحية بٳرسال المزيد “ﻷن أمريكا كريمة وهي لن تترك السوريين”. أمريكا ربما لن تتخلى عن السوريين، لكن مانرجوه هو أن يبقى هناك سوريون، بعد اﻷسد، لكي “تدير أمريكا بالها عليهم”.
لم ينس الرئيس اﻷسمر أن يذكرنا بلازمته الشهيرة “اﻷسد سوف يرحل” علما أننا كلنا راحلون عن هذه الدنيا الفانية. السيد “اوباما” تجنب هذه المرة استعمال مصطلح “أيام اﻷسد معدودة” الذي خاب بريقه.
خطاب السيد اوباما “حمال أوجه” فهو يصلح ٳن كانت سوريا، أو غيرها، ضحية زلزال مدمر أو حتى ٳعصار، يكفي استبدال كلمة “أسد” ب” ٳعصار كاترينا” مثلاً وهكذا لا يحتاج السيد الرئيس لكتابة عدة خطابات، بل يكفيه وضع كلمة مكان أخرى.
كنا نأمل أن يتوجه السيد “اوباما” للسوريين بخطاب مستوحى من “ونستون تشرشل” فيقول “نعم، ستكون هناك دماء ودموع لكننا سننتصر معاً على الظلم…” أو على اﻷقل تهديد اﻷسد بالويل والثبور ٳن لم يسلم السلطة لمن هو أقدر منه على تحقيق تطلعات السوريين.
كنا ننتظر من السيد “اوباما” أن يمد يد المساعدة للثائرين لا أن يكتفي بكفكفة دموع المهجرين. مساعدة اللاجئين ضرورية ولكن اﻷهم هو السماح لهم بالعودة وكف يد الجزار وردعه عن الاستمرار في القتل، هذا هو دور من يتنطع لقيادة العالم الحر ويريد ٳعلاء كلمة الحرية والديمقراطية. توقعنا ممن اختاره الشعب اﻷمريكي أن يقدم شيئاً آخر للسوريين “غير الدعاء…”.
استبشرنا واستبشر العرب خيراً حين شارك اﻷمريكيون، ولو على مضض، في حرب تحرير ليبيا من عقيدها، لدرجة أن مواطنين ليبيين أنقذوا طيارين أمريكيين سقطت طائرتهم ٳثر عطل فني. كانت تلك المرة اﻷولى التي يحزن فيها العرب والمسلمون، كلهم، لسقوط طائرة اف 15 ويبدو أنها ستكون آخر مرة أيضاً..
قبل مائة وخمسين عاما، في اﻷول من كانون الثاني 1863 أصدر أول رئيس أمريكي من الحزب الجمهوري قرار تحرير العبيد متحديا الولايات الجنوبية ومطلقاً حرب الانفصال اﻷمريكية التي سالت فيها دماء كثيرة. الرئيس كان اسمه “ابراهام لنكولن” وكان عارفاً أنه بقراره ٳلغاء العبودية ٳنما سيطلق حربا قد تدمر الولايات المتحدة اﻷمريكية. مع ذلك، قرر هذا الرجل العظيم الاستماع لمبادئه وأخلاقه ورفض الانصياع للبراغماتية التي كانت تفرض عليه التهاون مع مستغلي العبيد.
اليوم، يأتي أول رئيس أمريكي أسمر ليضرب عرض الحائط المبادئ اﻷخلاقية والقيم التي دافعت عنها كل الديمقراطيات وأولها أمريكا. الرئيس القادم من “اﻷقليات التي كانت مسحوقة” يتبنى موقفاً أقل ما يقال فيه أنه مجرد من اﻷخلاق. حين يقدم الرئيس “اوباما” بعض اﻷدوية وزجاجات الماء للسوريين الفارين من جحيم اﻷسد فٳنه يتصرف كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال. لو كان “ابراهام لنكولن” اكتفى بالدعاء و بٳرسال ٳعانات للعبيد في الجنوب بدل تحريرهم لكانت الولايات المتحدة اﻷمريكية اليوم في ذات المستوى الحضاري والاقتصادي للمكسيك وربما أدنى وما كانت لتكون الدولة اﻷولى في العالم. أمريكا بلغت ما بلغته من التحضر والتمدن بفضل اﻷخلاق والمبادئ وليس بالقوة المجردة وحدها.
منذ “ابراهام لنكولن” والذي يمثل قمة اﻷخلاقية والمبادئ في السياسة، ما فتئ المستوى اﻷخلاقي للرؤساء اﻷمريكيين في التدني، كل منهم يبز سابقه في الوصولية والانتهازية.
في حين تنطع “ساركوزي” و”كاميرون” ﻹزاحة القذافي في ساعات، وخرج الرئيس الهادئ والمتردد “هولاند” لاقتلاع عصابات القاعدة التي عاثت فساداً في “مالي”، يتوارى الرئيس “اوباما” في مكتبه البيضاوي و”يفكر” مثلما أتحفنا في مقابلته التلفزيونية قبل أيام.
بعد طول تفكير وتمعن، توصل صاحبنا ٳلى نتيجة مؤداها أن لايفعل شيئاً وأن يكتفي “بالدعاء للمرضى بالشفاء وربما الدعاء على اﻷسد أن يقصف الله عمره..” ولكي يريح ضميره، أرسل بعض فضلات القوة اﻷعظم للسوريين المساكين.
حين استنجد الثوار اﻷمريكيون بالملك الفرنسي “لويس السادس عشر” أثناء حرب الاستقلال اﻷمريكية عام 1776 أرسل لهم هذا الأخير أسطوله ومدهم بالرجال و بالسلاح والمال والعتاد لدرجة أثقلت كاهل الخزينة الفرنسية وكانت أحد أسباب الثورة الفرنسية عام 1789. الملك الفرنسي “الرجعي والمتخلف” أرسل للثورة اﻷمريكية خير جنرالاته “لافاييت”، الرئيس اﻷسمر حين طلب منه السوريون المدد أرسل لهم الجنرال “بطانية”…
أحمد الشامي فرنسا ahmadshami29@yahoo.com
5 تعليقات
تنبيه: “ماما “أوباما . . بقلم: أحمد الشامي « مختارات من الثورة السورية
تنبيه: Cindy
تنبيه: مدونات: حمادة "المسحول" وماما "أوباما"
تنبيه: مدونات: حمادة "المسحول" وتجار الدم وماما "أوباما"
تنبيه: مدونات: "سحل" حمادة يستر عورات تجار الدم