أنس حمدون
——————–
منذ بداية ثورة الحرية و الكرامة في سورية، عمل النظام على خفض قدرتها على الاستقطاب بطريقة ممنهجة قوامها :
– اتهام الثورة بالتسلح، بالاسلامية، بالطائفية و بالارتباط بالخارج و دفعها نحو تحقيق هذه التهم
– نقل الثورة من الفعل الى الانفعال عبر مماراسات وحشية و استفزازية سربت الى الاعلام عن قصد بهدف تغذية الحالة الغرائزية لتطغى على العقلانية
– فك الأرتباط ما بين الحلقتين المدنية و الأهلية و تفكيك الأولى لتعزيز الثانية
– تحييد الطبقى الوسطى عبر التطرف في الأساليب و الطرح و دفع الثورة نحو التصعيد المتسرع في المطالب بدل من التصعيد المتدرج القائم على تراكم المكاسب و النجاحات.
– استهداف القيادات الميادينية السلمية و الواعية لطبيعة الصراع مع النظام بشكل مباشر
من جهتها، عجزت المعارضة السياسية عن مجارية الأحداث بسبب انشغالها في العمل على إيجاد صيغة تنظيمية تجمع شكلياً القوى المعارضة بدلاً من البحث عن اليات عمل سياسي مشترك بين التوجهات و التنظيمات المختلفة. هدف توحيد المعارضة الذي تطفل على الحراك الثوري استهلك الجزء الأكبر من جهود الناشطين و السياسين الذين امضوا وقتهم في مخاطبة بعضهم البعض و في الأختلاف على النقاط و على الفواصل تاركين الشارعين المتحرك و الصامت بدون أي مشروع حقيقي في الأفق. يضاف إلى ما سبق، الدور السلبي الذي لعبته بعض أطراف المعارضة السياسية في الخارج بسعيها منذ الأسابيع الأولى إلى اختراع شرعية التمثيل التي تتيح لها مخاطبة خارج اختزلت خيراتها به.
بغياب الفعل السياسي عن المشهد، نجح النظام في استجرار البعض إلى استخدام أدواته، لغته و أساليبه، من الصوت الواحد إلى السلاح و بدأت التهم التي كانت كاذبة في بداية الثورة تتحول يوماً بعد يوم إلى ظواهر لم يعد من المتاح انكارها. خطاب المزاودة، التخوين، الحقد ، تبرير العنف و الإقصاء يزداد حضوراً يوماً بعد يوم في صفوف بعض المؤيدين للثورة ليرسم لها ملامح تشبه ملامح النظام ..
اخفاقات المعارضة السياسية أنستنا النجاح الكبير الذي حققته الثورة منذ أيامها الأولى بخلق فضاء جديد من الحرية يتيح هامشاً مهماً للتعبير و العمل العلنيين. للأسف فقد بقي هذا الفضاء شبه فارغ خلال الأشهر الماضية بل و اتهمت أي محاولة للعمل ضمنه بانها تعطي النظام فرصة لتجميل صورته بدلاً من اعتبارها فعلاً مكملاً للحراك الشعبي يتيح حماية مكاسب الثورة و تحصينها حتى تصبح قوة إضافية تدفعها إلى الأمام.
إن فضاء الحرية المتوافر اليوم هو الأرضية الاجتماعية التي احتلها النظام لعقود و أعادت تحريرها الثورة السورية بتضحيات ابنائها : أطفالاً، شيوخاً، نساء و رجال و إن الشروع في إعادة اعمار ما دمره النظام الاستتبدادي فوراً واجب علينا جميعاً.
لن يسقط هذا النظام إلا بتضافر جهود جميع الحالمين بدولة سورية قوية ومدنية وتعددية يعيش فيها السوريون وفق مبادئ المواطنة التي تضمن المساواة الكاملة بينهم.
ما بين الصمت و البندقية هناك طيف واسع من الخيارات الممكنة للمساهمة في إخراج الوطن من حالة الاستعصاء التي يقودنا إليها النظام و تتبعه إليها بعض قوى المعارضة التمثيلية.