مجزرة التريمسة حلقةٌ جديدة في سلسلة المجازر بحق الشعب السوري. وسياق هذه المجزرة الجديدة مشابهٌ جداً لمجزرتي الحولة والقبير: قصف تمهيدي بالمدفعية والدبابات يتبعه اقتحام القرية من قبل ميليشيات الشبيحة المكونة بشكل رئيسي من علويي القرى المجاورة. ولا تبعد قرية التريمسة سوى 7 كم عن القبير حيث أباد الشبيحة تلك لقرية الصغيرة عن بكرة أبيها. صدر نداء الاستغاثة الأول من التريمسة على تويتر قبل حصول المجزرة ببضعة ساعات محذرة من أن شبيحة قرية الصفصافية، وهي القرية نفسها التي شاركت في مجزرة القبير، قد اتجهت نحو التريمسة وأنه يُخشى حصول مجزرة، وهذا ما كان. على الرغم من أن سيناريو هذه المجزرة الجديدة مشابه للمجزرتين السابقتين فهناك أمرٌ مختلف فيها ألا وهو استخدام الطيران كما أقر كوفي عنان.
في المجزرتين السابقتين في الحولة والقبير، بدأت وسائل الإعلام الروسية والسورية والإيرانية حملة تضليل إعلامي لتضليل الرأي العام العالمي. كان الادعاء أن القتلى عناصرٌ من الجيش السوري الحر، المتكون بشكل رئيسي من السنة، وأن الضحايا هم من العلويين. وبما أن هذا الادعاء واه فتفنيده موجودٌ في هذه المقالة. ورغم هذا ما يزال من غير المعلوم كيف ستلقي وسائل الإعلام هذه باللوم على الجيش السوري الحر آخذين بالحسبان استخدام المدفعية والدبابات والطائرات المروحية التي لا يملكها إلا جيش الأسد.تبرز وسائل الإعلام في العادة مسألة التوقيت في أن هذه المجازر تحصل في العادة قُبيل أي اجتماع للأمم المتحدة لتنفي مسؤولية الأسد عنها. لا تصمد محاولة تفادي المسؤولية هذه أمام تفحصٍ دقيقٍ فالمجازر تحصل في سوريا بشكلٍ يومي. فارتكبت قوات الأسد، إضافةً إلى مجزرة التريمسة، مجزرةً أخرى في برزة في دمشق راح ضحيتها ثمانية شهداء بلحظةٍ واحدةٍ عندما استهدفت مظاهرةً بأربع قذائف هاون.وارتكاب هذه المجازر في سوريا ليس أمراً عبثياً لا هدف من وراءه، حيث أنها محفزةً بدوافع عدة ومنها:
أولاً: هذه المجازر هي أعمال تحدٍ يقوم بها النظام السوري. يعلم الأسد أنه محمي بالفيتو الروسي الصيني ويعلم أيضاً أن الولايات المتحدة والغرب يتذرعون بالفيتو الصيني الروسي كيلا يتخذوا أي إجراءات فعالة لإيقافه، لذا يبدي لا مبالاةٍ حيال ادانات المجتمع الدولي. فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
ثانياً: هذه المجازر هي أعمال انتقام طائفي. فمعظم وحدات الجيش والأمن التي يستخدمها الأسد لقمع الثورة من الطائفة العلوية. ومعظم أفراد الجيش السوري الحر الذي يدافع عن الثورة من المذهب السني. فالحولة والقبير والتريمسة قرى سنية مُحاطة بقرى علوية. تقوم عائلات العلويين الذين يموتون في المعارك بأخذ الثأر من جيرانهم السنة لينتقموا لموتاهم. وهذا الانتقام مشابهٌ لحد كبير “لسوق السنة” في حمص حيث ينهب العلويين بيوت السنة لأن :”هؤلاء الناس يدعمون الإرهاب وينبغي علينا أن نقضي عليهم” كما نقلت رويترز عن أحد المتسوقين في سوق السنّة.
ثالثاُ وهو الأشد خطورةً: إنها عمليات تطهير طائفي لتبديل التركيب الديموغرافي لمنطقة مجرى العاصي. يخشى العلويون أن يتمكن الجيش السوري الحر في نهاية المطاف من اسقاط الأسد من دمشق لذلك يقومون بهذه الحملات لتطهير السنة من مناطق مجرى العاصي في حمص وريف حماة وأجزاء من إدلب إضافةٍ إلى المناطق الساحلية لتأسيس دولةٍ مستقلةٍ لأنفسهم.
ترتكب قوات الأسد المجازر في سوريا بشكل يومي. لو تحرك المجتمع الدولي بشكلٍ فاعلٍ عندما ارتكبت قوات الأسد لما حصلت مجزرتي القبير والتريمسة إلى جانب المجازر الأخرى. ما العمل الآن؟ يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات فعالة لإيقاف هذه المجازر. حرمان الأسد من الكافيار منا فعل الاتحاد الأوربي لن يجد نفعاً. والإدانات كمسكنات الألم التي لا تعالج المرض. كوفي عنان فاشلٌ ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل بفاعلية قبل أن تنزلق المنطقة برمتها في حرب طائفيةٍ شاملة تبتلع سوريا ولبنان والعراق وتركيا. إن تصرف المجتمع الدولي بفاعلية الآن، لن تحصل مجزرة جديدة في المستقبل. فهل سيفعل؟
نور الدين الدمشقي
نُشرت للمرة الأولى في منبر دمشق