بداية الأمر لابد لأي مراقب ومتناول لما يحدث في كواليس المعارضة السورية أن يكون دقيقاً في تناول مفرداته وتحليل شخصيات المعارضة. ومن قبلها لابد ان يتناول الصورة السورية بعناية حتى يصل الى تحليل يقنع المتلقي بهذا البناء العصي على التحليل والتفسير ضمن هذه الحالة الحادة القاسية في تاريخها السياسي.
في أسفل المعادلات السياسية المتضاربة والمتزاحمة والمتناقضة في مجملها. تتراكم أسئلة لابد من طرحها. أسئلة تتعلق بالحالة الجيوسياسية لسوريا. العنصر الأكثر تعقيدا في كل المعادلات السياسية.
من هي المعارضة السورية؟ ما تياراتها؟ ما شخصياتها؟ ما برامجها؟ ما توجهاتها ؟؟؟
لن أجيب على هذه الأسئلة لأن هذا من مهامها هي في طرح برامجها والتعريف بنفسها لكن هي تيارات تحمل كافة التوجهات الموجودة ضمن الحركات السياسية في العالم، قومية، دينية، ليبرالية، يسارية، يمينية …الخ
ما يهمنا هو الأجابة على السؤال الأهم والأكبر الذي يدور في خاطر كل سوري اليوم .!!!
لماذا لا تستطيع المعارضة السورية من تشكيل جبهة سياسية تقود الحراك الشعبي كضرورة حتمية لأي ثورة …؟؟؟
الوضع الجيوسياسي السوري هو العامل الأكثر تأثيرا في بقاء السلطة حتى اليوم وهو السبب نفسه في عدم اتفاق المعارضة على هيئة سياسية (برأيي الشخصي)
وباقي الأسباب الداخلية من خلافات في الهيكلية، الأختلاف على نقاط في برنامج المعارضة في تمرير أجندات خارجية، في ضعف التمويل المالي، في عدم وجود أرض محايدة لاستقبالهم كلها أسباب أعتقد أنها ثانوية لا تشكل من المعضلة الأساسية أكثر من 20 % .
في عام 2004 تعرفت على الدكتور ميلد ( من تكساس ) أمام محل لبيع المثلجات في دمشق. أكثر ما بقي في ذاكرتي من حوارات خلال يومين في ضيافتي. كلامه حول دمشق وتحليله من خلال خبرته كدكتور في علم الاجتماع، أن التركيبة النفسية للانسان في الشرق الأوسط لا يمكن فهمها الا أذا أدركنا تاريخه الروحي وتاريخه الجغرافي.
هذا صحيح… وبنفس الاسقاط لا يمكن فهم وضع المعارضة والسلطة في سوريا الا من خلال فهم الوضع التاريخي والجغرافي لسوريا .
المعادلة الأولى : التركيبة الديموغرافية لسوريا وعلاقتها بأجناسها عبر الحدود في كل دول الطوق الاقليمي ؟
النظام السوري كان بارعاً دوماً في امتلاك الاوراق الخبيئة العابرة للحدود. وبارعاً في استغلال التيارات الحزبية الاقليمية بشقيها السياسي والعسكري.
حزب العمال الكردستاني، الحركات الفلسطينية ( بعضها )، التيارات اللبنانية، التيارات البعثية المنشقة من النظام العراقي، التيارات السلفية الجهادية ( في فترة من الفترات )
ومن خلال شبكات استخباراتية دولية واقليمية استطاع النظام في تحريك هذه التيارات لتمرير اوراق تطيل من عمره وتقويه وتمرر أجندته المافيوية عبر الحدود مع كل دول الجوار ومع اسرائيل ( كانت اللعبة مختلفة برأي الشخصية ) وهي بقدرة النظام في لعب بهذه الأوراق بعيدا عن اسرائيل وتلويحها لأسرائيل بأنها الوحيدة القادرة على تحريك هذه الحركات وابعاد شرها عنه واستخدامها كورقة بيدها.
هذه المعادلة الكائنة منذ عقود اليوم هي حاضرة في التفاوض الغربي الاقليمي مع المعارضة… الى أي درجة انت قادرة على استلام هذه الاوراق من النظام السوري الحالي ولاي درجة يا أيتها المعارضة السورية انت قادرة على تحقيق التوازن القائم أو تقديم حلول بخصوصها؟
المعادلة الثانية : أيران والتيارات المرتبطة معها سواءا سياسيا او عقائديا؟
الصراع الأقليمي بين تيارات المختلفة على السيطرة على مصادر القوة والتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة شكل محاور لا تخفى على أحد. ولا يخفى على أي مراقب المحور الأيراني المنطوي تحته النظام السوري بأشكال مختلفة . وهذه الحالة الأقليمية والصراعات الجارية ترمي بثقلها على السلطة وعلى المعارضة في كيفية بلورة الخطاب السياسي وتحقيق التوازن مع هذا المحور وبنفس الوقت مع الغرب المتعارض في نقاط كثيرة مع هذا المحور الاقليمي والمتصارع معه والمتحالف معه حسب المكان والزمان .
ولا اتقبل شخصيا اي كلام عاطفي مفاده ان الشعب السوري هو الذي يتعاون وهو الذي يقرر مصيره في هذه التحالفات، لأن العبة السياسية في كثير من الأحيان تكون لعبة دبلوماسية بعيدة عن الشارع العادي المنتشي بالثورات هذه الفترة لكن يبقى بعيدا عن رسم الدبلوماسية الخارجية.
المعادلة الثالثة : ارتباطات المعارضة الخارجية مع جهات دولية واقليمية وعلاقتها مع الداخل السوري …؟
العلاقة بين الداخل والخارج في كثير من تيارات المعارضة علاقة الأب بالأبن العاص وفي بعضها علاقة الزوجيين المطلقين وفي بعضها الأخر علاقة في طو رالتعارف باستثناء بعض التيارات القليلة … لكن الحراك الشعبي افرز معادلة وضعت حلا لهذا الجدال بأنه مهما كانت المعارضة الخارجية بمعزل سابقا عن الداخل فاليوم الحالة الميدانية تفرض اديولوجية الداخل على الخارج وتفرض معادلة
رياضية من قبيل س د + س خ = معارضة ( سوري في الداخل + سوري في الخارج ) = المعارضة لكن ببرنامج الداخل وبمطالبه
ومن ناحية الاجندة الخارجية المتمثلة في علاقة المعارضة اللارادية بالدول المتواجدة فيها . وهنا أيضا لا أرحب بأي جواب عاطفي لان لعبة السياسة لابد من النظر اليها بأنها لعبة المصالح ولا مجال لأي كلام اخر
المعادلة الرابعة : الحالة المادية للمعارضة وضعفها؟
وهذا ما يشتت ويؤخر في كثير من الاحيان الالتقاء والاجتماع والاضطرار الى الالتقاء في ساحات ربما لا تكون مرغوبة سياسيا منهم .
المعادلة الخامسة: وهي الأهم برأي الشخصي؟
وهو الأختلاف الدولي على القرار بشأن سوريا …
وكما هو واضح الضغط الدبلوماسي الخارجي مازال لا يرقى الى المطلوب ضد النظام السوري . وهناك ممارسات كثيرة مازال العالم مختلف عليها في قراره بشأن النظام السوري
ومن هنا فإذا اتفقت المجموعة الدولية مع العربية والاقليمية على حتمية انهاء النظام السوري بأعتقادي …بنفس الوقت سيزداد الضغط على المعارضة للقاء ويصبح الامر اقل صعوبة .
المعادلة الغائبة الحاضرة : وهي اسرائيل؟
ولم اتناولها في البداية لأنه باعتقادي انها معادلة خارجة من أوراق الدول الأقليمية ولا تأثير لهم عليها بل العكس هي تلعب كما تشاء بكل سياسات المنطقة من خلال اوراقها الكثيرة. ومن هنا فإن الأسراع نحو تسوية هذه المعادلة تأتي من الأطراف الاقليمية وليست من اسرائيل . وهو حل واقع لا محال سواء بهذا النظام او بغيره .
وتأتي المعادلة الأخيرة وهي معادلة المعارضة واختلافاتها الشكلية والأديولوجية …؟
وهذه برأيي الشخصي اختلافات لا ترقى لأن تكون السبب في عدم اللقاء لأنه حين اكتمال الصورة الخارجية الاقليمية والدولية سيفرض حالة توافقية على المعارضة، فمطالب الحركات المشكلة للمعارضة كلها مطالب ضمن السقف الوطني ولا اعتقد انه سيكون هناك معضلة في حلها
صوت الشارع :
حتى أكون منطقيا في نظري الشخصي على الأقل… لابد من القول بأن كل ما حدث هو نتيجة الحراك الداخلي هو الأساس وهو الاول والاخير ..دماء الشهداء صبر عائلاتهم ملايين المنتفضين على انفسهم وعلى الواقع المرفوض اليوم في سوريا كل هذه التضحيات في الشارع السوري هو الذي ادى الى هذا الوضع وهو الذي سيغيب النظام او يبقيه ..لكن ما هي الادوات .. من هذا المنطلق تناولت التحليل السابق، الايديولوجية المرافقة للحراك هي الاساس بحكم البلد لكن المعادلة الراهنة للسلطة السورية تفرض علينا ان نكون واقعيين
بأنه نظام أمني داخلي ..وهو نظام مافيوي اقتصادي داخلي خارجي ..وهو نظام يمارس دوره الاقليمي ضمن شبكة معادلات سياسية امنية
منها ما هو مرتبط بالطوق الاقليمي ومنها ما يتعداه .
الكون كله يتدخل اليوم في مختبر المعارضة السورية .. الكون كله له خيوطه سياسية وأمنية وأقتصادية في المنطقة .
الحرية لسوريا والنصر للشعب .
———————–
بقلم: Adnan A A
تعليقان
مشكور أخي عدنان على التحليل الجميل.
افلحت ولامست الحقيقة في معضم ما قلت بقي اننا كنا ننتظر الخروج من التحليل للبحث عن المخارج اذ لا يعقل ان ننتظر حتى يتكرم علينا المجتمع الدولي واحب ان استخدم :ما يسمى بالمجتمع الدولي .اذ ان هذا الاخير لديه حساباته التي ربما يكون من بينها النتظار او اللعب بهدوء يرهق الجميع ليتفضل ويحصد على مهل مكاسبه وغلاله كما يخطط ووفقا لحساباته .