محمد كناص
الأطفال السوريون اللاجئون في مخيم أطمة على الحدود مع تركيا لم يكونوا يتوقعون يوماً أن الطائرات الورقية التي صنعوها كلعبة تشاركهم ساعات مرحهم في باحة المدرسة ستكون يوماً سبباً لنزوحهم ومأساتهم… فطالما تابعوها مبتسمين بعيونهم البرئية تطير على أكتاف نسمات ينتظرونها حتى تحملها إلى أبعد مدى! قد تحولت اليوم إلى حقيقة، وتطير إلى أبعد من جدران المدرسة بل إلى أطراف البلد جميعها، تنزع الابتسامة من الوجوه وتضع مكانها الألم والموت.
هم اليوم يدخلون إلى مدرستهم في المخيم المكونة من خيمة واحدة وصف واحد، يحملون ما جمعوه من رصاصات وبقايا براميل متفجرة بدل ألعابهم الورقية التي كانوا يصنعونها سابقاً، تلك البقايا جمعوها من مشهد الموت والدمار الذي جسد خراب منازلهم قبل الرحيل إلى مكان بارد بين بلدين أحدهم تنكر لمطالبهم وميلادهم وآخر تنكر لسوء حالهم.
أطفال مخيم أطمة يعرفون مدرستهم بشادرها المهترئ، وبابيها القماشيين الممزقين بفعل الريح… ليس لها اسم يدل على موقعة أو معركة في تاريخهم أو شهيد أو شخص عظيم خدم هذه الأمة، وليس فيها سبورة ولا طباشير ولا أقلام حبرية، وليس فيها جرس يعلن انتهاء الحصة أو بدء الفسحة بين الدرسين، لا يوجد فيها مناهج ولا كتب ولا دفاتر.
طلاب مدرسة المخيم في أطمة يدخلون إلى مدرستهم ساعة يشاؤون للقاء مدرسهم ومديرهم ومريبهم في آن واحد؛ ليستذكروا أساسيات اللغة، والعلوم والحساب من خلال ما تسعفهم به الذاكرة! وما أقل ذلك بعدما احتلت صور ومشاهد الرعب والدمار كل عواطفهم.
استطاع الشخص “المدرس، والمدير، والمربي” في مدرسة أطمة أن يعيد لأطفال المخيم شيئاً من أساسيات أي مدرسة في هذا العالم بعدما فقدوا كل شيء؛ ألا وهو مجموعة من المقاعد الدراسية نقلها له فاعل خير بعدما طرد الجيش الحر مرتزقة النظام من إحدى المدارس التي حولها إلى معتقل، فهم الآن ينعمون برائحة ذكريات محفورة على خشب تلك المقاعد، ويدفعون عن أنفسهم أذية الأتربة والغبار التي تحولت إلى طين بفعل أمطار الشتاء، إلا أنها لم تقيهم تسرب المياه من سقف الخيمة المهترئ.
أطفال مخيم أطمة لا يتعلمون شيئاً يذكر في المدرسة! إنما هي رمز وضعه ذلك الشخص في المخيم يستحث به ذاكرة الأطفال كي لا ينسوا حقهم في التعليم، وحتى يؤنسهم ويملأ عواطفهم بما فقدوه على مدار عامين من الثورة، منتظرين أن يأتي من يجعل مدرستهم حقيقة!…
رابط اللقاء مع مدير مدرسة مخيم أطمة: