مصطفى الكحيل
بين يوم وآخر تضج الأوساط الثورية بمواقف ومواقف مضادة على خلفية أديولوجية طرفاها العلمانيون من جهة والإسلاميون من جهة أخرى .بعيدا عن الأحزاب ينخرط الشباب في التعبير عن موقفه المؤيد لتيار ومعارضته لتيار أخر ومحور هذه المواقف قضايا تتعلق بالمرأة وحريتها وحقوقها بالإضافة إلى شكل الدولة في سورية المستقبل .وشدة الانخراط في تأييد هذا الموقف أو مهاجمة ذاك توحي بأن طرفي النزاع قد وصلا إلى مستوى متقدم على طريق حل كل مشكلات المجتمع ولم يبقى إلا الانتصار لقضية المرأة و الانتصار لقضية اقرار الشريعة كمصدر للتشريع في الدستور.أو كتابة شعار الله أكبر على علم الثورة .وكل طرف يعلن هجومه تحت عنوان سكتنا طويلا ووصلنا إلى هنا فلن نسكت بعد اليوم ولنبدأ من الان في وضع حد لهذا التطرف كما يقول العلمانيون .ولا يلجأ المعارضون للتيار العلماني لمقدار أقل من الفظاظة في الجدال .كثير من الأمور التي ظهرت خلال الثورة وأخذت مساحة من الجدال المفضي الى الرعب لكل طرف من الاخر .ولايمكن في حال من الأحوال تنزيه أحد طرفي الجدال عن الخطأ .هذا الجدال الذي يصعب وضعه في مرتبة النقاش حيث لا يهدف للوصول الى نقطة مشتركة للبناء عليها وانما لاثبات ان الطرف الاخر على خطأ .عندما يتعلق الأمر بالفيسبوك يبدو الأمر وكأنه أقرب إلى المراهقة غير أن المنبر الذي يوفره التلفزيون دخل على الخط لننتقل بعدها إلى مرحلة من الهجوم المبطن أحيانا والصريح أحيانا أخرى ولايخلو ذلك من التلويح بالشتيمة كل طرف اتجاه الأخر .كما أن الأمر لم يقتصر على الشباب المتحمس حيث نرى عددا من المثقفين المخضرمين يبثون مادة تثير ذاك الجدال نفسه من جديد عبر صفحات كبريات الصحف .يلجأ كل طرف إلى التخويف من الاخر استنادا الى بعض الظواهر التي نتجت طبيعة للظروف التي تمر بها سوريا ثم يعمل كل منهما على تضخيمها لاثارة الخوف من أن تصبح ظواهر عامة .تهدد مستقبل سوريا الحرة المدنية.
يحق لمن يتابع هذا الجدال أن يتوجه باللوم نحو كل من الطرفين ويسأل أين كان العلمانيون الذين يدافعون عن حقوق المرأة في قيادة السيارة وحق التعلم .عندما تم منع المنقبات من دخول الجامعات السورية في توقيت مريب وسط جدول الامتحانات .ألا يهدد هذا القرار حق التعلم ؟.ألا يهدد ذلك حقوق المرأة من الناحية المعنوية عندما يتم اختيار هذا التوقيت وأين كانوا أيضا عندما تم إبعاد مئات المعلمات عن سلك التعليم ألا يهدد هذا القرار أيضا حق التعليم أم أن هذه الحقوق حكر على المرأة غير المنقبة ؟.أليست المرأة المنقبة امرأة على كل حال أم أنها خاضعة لحكم افتراضي أنها وضعت النقاب بالإكراه .ولماذا يخشى البعض من قيام بعض المعلمات من تعليم الاطفال أشهر شعارات الثورة وهي التكبير .في وقت لا مدراس فيه ولا مناهج وإنما ارتجال وفقا للظروف والامكانيات التي تفرض نفسها .وفي المقابل كيف يمكن لمناصري التيار الاسلامي أن يرفضوا أي حديث لا يكون تحت اقرار الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع في المستقبل .أين كان هؤلاء عندما كان الدستور السوري الذي فرضه حافظ الأسد ينص في أولى بنوده ينص على ذلك ثم لا يتم الالتزام به طوال العقود الماضية .ألم يخرج بشار الأسد في أكثر من مناسبة ليقول أن سوريا دولة علمانية في مخالفة صريحة لنصوص الدستور .أين كان الاسلاميون ومناصروهم كل ذلك الوقت .كيف يمكن للإسلاميين أن يحافظوا على كل هذا الهدوء الذي يتمتعون به عندما الحديث عن الغالبية السورية ذات الطبيعة المحافظة التي ينتصرون لها ويتصدرون لتحصيل حقوقها في دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية ثم لا ينتفضون الآن هم ومجالسهم للانتصار لهذه الغالبية ذاتها ومأساتها مأساة العصر في مخيمات الزعتري وأطمة وكوردستان ولبنان وتركيا وغيرها كيف أمكن لهم ان يحافظوا على هدوئهم واطمئنانهم للمستقبل في سوريا ؟.وكيف لهم أن يستمروا مقيمين في ذلك الدفء في منازلهم في بريطانيا وتركيا والخليج ويتجاهلون آلاف العائلات التي يدعون تمثيلها تموت من البرد في داخل سوريا وخارجها .
إن هذا النوع من الجدال لن يخرج عن كونه معارك ثانوية على هامش الثورة السورية مادام يستند إلى أحداث هنا وهناك ربما لا ينطبق عليها وصف الظاهرة وبالتالي لا يمكن نقلها من الهامش إلى قلب إلى الجدال الذي يؤمل النتقال به إلى مراتب النقاش العقلاني الذي يحترم وقبل كل شيء حق الاخر في الوجود والاختلاف كما يحترم ترتيب الاولويات ويحترم قبل كل الشيء حق النازح علمانيا كان أم اسلاميا أم متبرئا من الانتماء لأي من هذه التيارات وغيرها حقه في خيمة لايموت فيها من البرد هو وأطفاله خارج حدود الدولة .