يارا نصير | لبنان الآن
“متطوعو الهلال الأحمر هم دليل دامغ على قدرة السوريين على تجاوز خلافاتهم وايديولوجياتهم والتوحد حول فكرة الأخوة والإنسانية”، تقول مايا المتطوعة في الهلال الأحمر السوري في فرع دمشق، مضيفة: “استهداف هؤلاء بالقتل أو الإعتقال هو استهداف لوحدتنا الوطنية بذاتها”.
لهذا السبب بالتحديد، إنطلقت مؤخراً فعاليات “الحملة المدنية للتضامن مع متطوعي منظمة الهلال الأحمر السوري”، والتي تهدف إلى التوعية على قضية معتقلي الهلال الأحمر والمحتجزين قسراً لدى أجهزة الأمن السوري. ويقول منسق الحملة (و.ش) والذي فضل عدم الإفصاح عن إسمه كاملاً: “أطلقنا هذه الحملة عرفاناً بجميل متطوعي الهلال الأحمر وتقديراً لجهودهم في العمل الإنساني”. وفي حين تبدو سوريا اليوم أحوج ما يمكن إلى ناشطين قادرين على تقديم الخدمات الإنسانية بشكل حيادي إلى جميع المتضررين من العنف المتصاعد من دون أي تمييز على خلفيات سياسية أو أيديولوجية كما يفعل متطوعو المنظمة، فإن أجهزة الأمن السورية ما زالت تعتقل العديد منهم دون توجيه تهم محددة أو حتى الإعلان عن أماكن احتجازهم.
ويعرّف (و.ش) الحملة بأنها “حملة مدنية حيادية تلقي الضوء على معاناة المعتقلين ونشر الوعي لأهمية دورهم التطوعي في خدمة مجتمعنا المدني بشكل مستقل وحيادي”. وتنشر الحملة على صفحتها على “فايسبوك” بوسترات تعريفية عن معتقلين تخفي أجهزة الأمن المعلومات عن ذويهم بشكل كامل، توثق فيها نشاطهم الإنساني وظروف اعتقالهم وتطالب أجهزة النظام بتوضيح ملابسات هذا الاعتقال. ووثقت الحملة حتى الآن أسماء خمسة معتقلين مجهولي التهم ومكان الاعتقال وهم: محمد رائد الطويل، جهاد حاكمي، غياث بيسواني، علاء بيسواني ومحمد المصري. وجميعهم اعتقلوا أثناء تأديتهم مهامهم الرسمية في إسعاف وإغاثة المحتاجين بحسب منظمي الحملة.
في السياق نفسه، تتعاون مع الحملة تجمعات مدنية أخرى ناشطة تدعم عملها في الترويج لقضية المعتقلين، مثل تجمع المترجمين الأحرار الذي يقوم بترجمة بيانات ووثائق الحملة إلى لغات عدة مثل الفرنسية والإنكليزية والكردية والصينية وأيضاً “راديو سوريالي” الذي أطلق حملة صوتية للتعريف بالحملة ودعم المعتقلين. تقول كارولين أيوب وهي من فريق إدارة الراديو: “يمثل معتقلو الهلال الأحمر بالنسبة إلينا كنشطاء مدنيين قضية أساسية، فهم متطوعون في مهمة إنسانية كانوا يقومون بواجبهم الإنساني بحيادية تامة وربما هذا لم يعجب البعض”. وتضيف: “مهما كانت تهم الاعتقال فعلى الأقل من حق أي معتقل أن توجه إليه تهم رسمية توضح أسباب اعتقاله ومكانه، هذا حق مشروع للجميع فكيف للعاملين في المنظمات الإنسانية؟”.
حملة راديو سوريالي لدعم منظمة الهلال الأحمر السوري
لا تكتفي الحملة بالمطالبة بحرية المعتقلين، بل تنشر أيضاً معلومات وصوراً عن شهداء الهلال الأحمر الذين قتلوا وهم يقومون بعملهم في اسعاف الجرحى وضحايا العنف، إذ توثق الحملة أسماء 4 شهداء من متطوعي المنظمة قضوا أثناء أداء الواجب، منهم محمد قاسم آغا الذي قضى في قصف لقوات النظام في مشفى دار الشفاء في حلب في الحادي والعشرين من الشهر الجاري. تقول صفحة الحملة: “في الحادي والعشرين من تشرين الثاني العام 2012، وأثناء تأدية محمد قاسم آغا، المتطوع والمسعف في منظمة الهلال الأحمر العربي السوري وإبن الأربعة والعشرين ربيعاً، لمهامه الإنسانية في أحد مشافي مدينة حلب بحكم كونه طالباً في السنة الأخيرة بكلية الطب، جاءه قادمٌ من سماء الغيب هابطاً بلمحة عين حاملاً معه الموتَ في جنباته، فهُدّم المشفى وأمسى طبيبُ الغد شهيداً”.
من شهداء المنظمة أيضاَ الدكتور عبد الرزاق جبيرو أمين سر منظمة الهلال الأحمر العربي السوري ورئيس مجلس إدارة فرع إدلب الذي قتل مساء الأربعاء، الخامس والعشرين من كانون الثاني لعام 2012، بينما كان عائداً إلى مدينة إدلب، بعد حضوره أحد اجتماعات المنظمة في دمشق، حيث أُطلق النار على سيارته، ما أدى إلى إصابته برصاصة مباشرة في الرأس، “لتنهي طلقةُ الغدر تلك مسيرةً حافلة بالعمل والعطاء وإنجازات لا تعد ولا تحصى في جوانبها الإنسانية” كما تقول صفحة الحملة.
توثق الحملة أيضاً مقتل كل من المتطوعَين الشابين محمد الخضرا وحكم دراق سباعي، إذ استشهد محمد (24 سنة) في مدينة دوما بدمشق خلال تأديته لمهامه الإسعافية. في حين استشهد حكم بعد تلقيه سبع طلقات من أصل ثلاثة وثلاثين طلقة اخترقت سيارة الإسعاف التي كانت تقله مع بقية المتطوعين في مدينة حمص، دخل حكم بعدها في غيبوبة ومن ثم فارق الحياة. “راديو 1+1″ وثق مقتل الشهيد حكم السباعي في صوتية من إنتاجه روت قصة مقتله إضافة إلى مجموعة عبارات من آخر كلماته. يقول حكم” “ما الذي تغير يا أخي؟ لو أنك احتجت إلى أن أتبرع لك بالدم هل ستسألني عن طائفتي؟ لو أنك احتجت إلى من يسعفك ليلاً، هل أمتنع إن كنت من غير طائفتي؟”
“سبع يا سباعي” – راديو 1+1
بدورها قامت منظمة العفو الدولية “أمنستي” بنشر تقرير أعربت فيه عن قلقها على صحة وحياة المعتقل محمد رائد الطويل عضو مجلس إدارة المنظمة ورئيس فرق الإسعاف فيها. وأدانت في تقريرها ممارسات التعذيب التي يتعرض إليها وظروف اعتقاله.
تقول ” أمنستي” في التقرير” لا يزال محمد رائد الطويل الذي يعمل في الهلال الأحمر السوري محتجزاً بمعزل عن العالم الخارجي في مكان غير معلوم، وذلك منذ اعتقاله في العاصمة السورية، دمشق، بتاريخ8 نوفمبر/ تشرين الثاني. ويُعتقد بأنه تعرض للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة”.
من ناحية أخرى أشاد منسق الحملة (و.ش) بإطلاق السلطات السورية سراح كل من المتطوع المسعف مصطفى حاج إبراهيم، ورئيس شعبة تلبيسة جهاد عبد الحميد، الأمر الذي تم في وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء العشرين من تشرين الثاني 2012 داعياً إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات لجهة إطلاق سراح بقية المتطوعين المعتقلين.
جدير بالذكر أن منظمة الهلال الأحمر العربي السوري هي منظمة وطنية تابعة للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر تلتزم بالمبادئ الأساسية السبعة التالية: الإنسانية، وعدم التحيز، والحياد، والاستقلال، والخدمة الطوعية، والوحدة والعالمية.