عبد الدافش نكاشة
تطبع سناء قبلةً حارة على جبين صغيرها أحمد وتطلب منه بإلحاح أن يعتني بنفسه جيدا، تتابع مشية طفلها المتهادية في طريقه إلى مدرسته التي لا تبعد أكثر من شارعين، ترتسم ابتسامة شفيفة على ثغرها وهي تتابع تأرجح الحقيبة المدرسية الضخمة على ظهره وقد بدت أشبه بهودج .
تنكفئ الأم الثلاثينية إلى داخل المنزل وتنشغل في مهامها المنزلية الاعتيادية، تصل إلى مسامعها أصوات القصف والاشتباكات الدائرة في داريا وعرطوز المجاورتين، تفكر بفخر، لا يخلو من قلق، بزوجها ربان الطائرة العسكرية الذي ندرت ساعات تواجده في المنزل خلال الشهور الأخيرة.
ينطلق أحمد راكضاً بمجرد انتهاء دوامه المدرسي، أمتار قليلة عن بوابة ابتدائية “المعضمية الأولى”، يتوقف، يرى صديقه علاء للمرة الأولى منذ أشهر، المرة الأخيرة التي اجتمع فيها الصديقان كانت خلال الامتحانات النهائية للصف الثالث الصيف الماضي، مقاعد الدراسة في الصف الرابع لم تجمع أحمد وعلاء مجدداً كما جمعتمها في سني دراستهما الثلاث الأولى، والد علاء كان قد استشهد في اقتحام عسكري للمعضمية خلال الصيف، أصبح التعليم بالنسبة للطفل ذي السنوات العشر ترفاً لا تقدر الأسرة أن تتحمله، البقاء على قيد الحياة هو المبتغى والغاية الآن.
تصافحا بارتباك، استفسر أحمد من علاء عن سبب تغيبه هذا العام، كان يعتقد أنه انتقل إلى مدرسة أخرى، وجد علاء في السؤال مخرجا من حرجه لم يرد في ذهنه، أكد لصديقه أنه انتقل وأسرته إلى مدينة مجاورة، لم يخطر على بال أحمد أن يستفسر من صديقه عن سبب وجوده هنا، اتفقا بسرعة على الذهاب إلى البستان الذي اعتادا قضاء الساعات الطوال فيه دون كلل.
لم تكن إلا دقائق حتى امتدت الاشتباكات من داريا إلى المعضمية، في محاولة من الثوار لتخفيف الضغط عن داريا المحاصرة لأيام عدة، استعان الجيش بقواه الجوية القادرة على خلق الفارق، لم يفهم أحمد الحالم بأن يصبح طيارا ارتعاشات علاء لدى رؤيته الوحش المعدني المحلق فوقهما، كان والد أحمد يحوم بطائرته العمودية فوق المنطقة، لم يفكر كثيرا قبل أن يطلق صواريخه على أهدافها.
احتاج حسم الجيش للمعركة إلى ساعة واحدة فقط، كان علاء وأحمد ينامان بعمق فيما كانت سناء تقف على باب المنزل تنتظر قلقة عودة صغيرها من المدرسة.