حازم النهار
——————-
يظهر خلال هذه الدراسة روح شخصية في بعض المحطات، وهذا طبيعي بحكم أنني كنت مشاركاً أو مشاهداً فيها، لكنني بالمقابل أتفهم بكل رحابة صدر التباينات والاختلافات في هذا الحيز وتعدد زوايا الرؤية للمواقف والمحطات التي مررنا بها جميعاً، أملاً في تلافي الثغرات والقصور وإبداع أنماط وأشكال جديدة تليق بثورتنا العظيمة.
الخيار بين الصمت والكلام
ليس من السهولة بمكان الاختيار في هذه الفترة ما بين الصمت والكلام فيما يخص شؤون المعارضة وشجونها في سورية، خاصة مع وجود حساسية عالية بين قواها وتياراتها السياسية في هذه الفترة، فإذا انتقد المرء موقفاً أو سلوكاً ما يخرج عليه ألف معترض ليقول: “ليس الآن، المطلوب الآن حشد الصفوف لإسقاط النظام”، وإذا سكت يخرج عليه أيضاً ألف معترض ليقول: “أنتم بصمتكم مشاركون في كل شيء، ولولا صمتكم لما حدث ما حدث”.
على العموم، أشعر أن اللحظة السياسية الحالية مناسبة نوعاً ما لحديث عميق وجدي ومسؤول بعد أن كانت الفترة الماضية مليئة بالشحن والتشنج لدرجة تمنع الجميع من الاستماع لبعضهم وفتح حوارات حقيقية حول ما يجري.
أعتقد أن الكتابة فعل مسؤول، ويشترط وجود مبدئين متلازمين هما المعرفة والأخلاق، وهذان المبدآن يخلقان روحاً هادئة لا عدائية لدى المرء في التعامل مع الخلاف، وحسابات معقدة ودقيقة في مقاربة كل ما يحدث. أقول ذلك لأني لمست في أحايين كثيرة لا مسؤولية طاغية في الكتابة، خاصة في ميدان الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الجميع هاجسه الأساسي تقييم الجميع وحسب، وليس نقاش القضايا والأفكار المطروحة أو إنتاج أفكار جديدة.
مشاركتي هنا في تناول شؤون الثورة والمعارضة هي محاولة للتنبيه والتحذير وأخذ الحيطة، أو للتذكير بأن الثورة عملية مركبة من البناء والهدم معاً، ففي سياق الهدم نحتاج إلى عملية بناء موازية، ولا يمكن بداهة البناء بأدوات التشبيح ذاتها التي نحاربها….وهو أيضاً إشارة إلى أن التشبيح ثقافة عاشت داخل السلطة تماماً كما عاشت خارجها في المعارضة والمجتمع، ومن يتابع القنوات الفضائية وصفحات الفيسبوك يجد آثار ومرتكزات هذه الثقافة واضحة. وقد يقول قائل إن اللحظة الحالية غير مناسبة لفتح نقاش أو نقد بهذا الخصوص وأنه ينبغي التركيز على الهدف الأساسي والانتهاء من مشكلتنا الكبرى، هنا أقول: نعم ينبغي التركيز على الهدف الأول وألا نضيع البوصلة، لكن أيضاً: من جهة أولى لا مشكلة في النقد طالما جاء من وحي الحرص على الثورة والوطن، وليس من وحي التشبيح والحرص على ذواتنا المتورمة، وطالما كان في حدود الاحترام والأخلاق والإحساس بمسؤولية الكلمة، ومن جهة ثانية لا أدري حقاً إن كان هناك مركبة بإمكانها السير دون أن ترمي خارجها كل ما يعيق حركتها السوية ويشوِّهها، لكن بصبر وحكمة.
هاجس الأسماء والأشخاص
في كل مرة أتناول فيها فكرة أو موضوعاً للنقاش، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو الصحافة الورقية، تتكرر طرائق في التعليق على ما أكتب يمكن حصرها بما يلي، وأعتقد أن الأمر ذاته يحدث مع كثيرين غيري:
1- الجو العام مغرم بتحديد الأسماء المقصودة بكل فكرة مكتوبة، وهنا أقول إنني أعرض أفكاراً للنقاش والحوار، ولا أعرض أسماء للتشريح…شخصياً لا تهمني الأسماء، إنما الأفكار هي غايتي، وهذه الآلية في التعاطي من قبلي لا يمكن وصفها بعدم الوضوح…المهم وضوح الأفكار…وعرض الأسماء المقصودة لا يخدم إلا التشويش والمهاترات والتشهير، فضلاً عن كونه لا يلتزم بأخلاقيات الكتابة.
2- جزء من الردود التي تصلني لا تتعلق بالفكرة التي كتبتها، أو أحياناً تنم عن قراءة غير دقيقة لما أكتب وتحمِّل النص المكتوب ما لا يحتمل، أو تعبر عن هواجس شخصية سريعة خطرت لدى أحدهم ولا علاقة لها بالفكرة المكتوبة أو المقصودة.
3- بعض الردود تأتي حاملة لشحنة شخصية انفعالية أو حتى عدائية، وأحياناً استعراضية، وهذه مأساة حقيقية تعبر عن شقاء الوعي وبؤسه.
بناء الوعي استناداً للشائعات
من الأمور التي أضرَّت في الأشهر الفائتة ولا تزال تضرنا اليوم بناء وعينا وقناعاتنا ومواقفنا استناداً للشائعات والكلام المنقول وقراءة نصف الكلام، فهذه الطرائق في التعاطي مع الأمور لا تزيدنا إلا تشويشاً وتشكيكاً من جهة، وتقلِّل من وضع طاقاتنا في اتجاه خدمة الهدف الواحد من جهة ثانية. باعتقادي يمكن الوصول للحقائق إما بالذهاب نحو النبع كبديل للكلام المنقول والشائعات أو بالتحليل الموضوعي الهادئ لكل ما نسمع ونقرأ ونرى.
تعليق واحد
تنبيه: مقاربة لخطاب وأداء المعارضة السورية منذ بداية الثورة – 2 | كبـريـت | Kebreet