باولو الشامي
—————————–
تتكرر كل يوم محاولات الكثيرين في إقناع العلمانيين أن النفس الإسلامي هو مجرد في ثورتنا، وأن الجيش الحر لا طموح إسلامياً له، ودائماً تقدم لنا أحاديث نبوية وآياتٍ قرآنية تحاول أن تظهر لنا الوجه المتسامح للإسلام والذي ولا بد سيعتمد عليه “الإسلامي” الذي نخاف منه، وبعد نقاشات طويلة استنتجت أن الكثيرين لم يفهموا مخاوف العلمانيين جيداً، ربما بسبب عدم قيام العلمانيين بالتعبير عن أنفسهم كما يجب ضمن الثورة في الأشهر الأخيرة. سأحاول أن أشرح بعض الأمور التي تقلقني كشخصٍ علماني، وربما أستطيع تقريب وجهات النظر، أو تكون وجهات النظر هذه قريبة أصلاً وأقتصر مهمتي على توضيحها.
ما يقلقنا هو ليس تديّن شباب الثورة، ولا توجههم الفطري المبرر والمشروع نحو الروحيات بسبب وقوفهم يومياً مع الموت وجهاً لوجه، إنما يقلقنا هو تكريس النموذج الديني يوماً بعد يوم كخطٍ أساسي للثورة، والمقلق بالضبط هو أنه بعد نجاح ثورتنا سيكون علينا بناء الدولة من الصفر، وهذا التوجه المتنامي نحو التدين ونحو أسلمة الثورة سيكون بشكلٍ أو بآخر جزءاً من الأساس الفكري الذي ستبنى على أساسه الدولة السورية، وربما لا بد من التذكير بالنموذج الليبي الذي لعب الإسلاميون فيه الدور الرئيسي – إن لم يكن الوحيد – في تحديد الخط أو النمط المتبع في بناء أساسيات الدولة من جديد، وطبعاً سيطرح السؤال: ماذا لو حكم الإسلاميون؟ ما هو الأمر السيئ الذي سيحصل؟ الخوف ليس من حكم الإسلاميين، فحكمهم سيزول في ظل نظام ديمقراطي مع أول فشلٍ لهم في السير بالبلاد نحو الأمام بالسرعة المطلوبة، الخوف هو من بناء الدولة – الدستور المؤسسات الأساسية الأسس الأولية لنصوص القوانين – على هذا الفكر الديني الذي يتطور وينمو يوماً بعد يوم.
في المجتمع السوري، أو على الأقل في مجتمع العاصمة دمشق الذي أعيه أفضل بكثير من باقي المدن، تطورت في السنين العشر الأخيرة الحريات الشخصية بشكلٍ ملحوظ، إذا استبعدنا من هذه الحريات الشخصية حرية التعبير السياسي طبعاً، وباتت الأفعال التي لا يقبلها المجتمع المحافظ عادة مقبولة إلى حدٍ ما، أو على الأقل بات الاستهجان لها لا يتخذ خطوات فعلية لتقييد حريات الأفراد على هوى المجتمع ويقتصر على التعبير اللفظي عن رفض هذا السلوك أو ذاك، وإلى حدٍ ما أصبحت القيود التي يفرضها الأفراد على بعضهم البعض تقتصر على النظاق الضيق للأسرة، وأنا نفسي كونت في السنين الأخيرة صداقات غريبة مع أناس في قمة التدين والمحافظة والذين كانوا قادرين على تقبل النمط الذي أعيشه دون أن يوجهوا لي ملاحظات مزعجة تستنكر سلوكي، وهذه الحريات الشخصية هي من الأمور الأساسية التي أخاف – ومعي الكثير من العلمانيين ربما – من انتهاكها، والتي ستمثل برأيي اضطهاداً يقترب بسوئه من الاضطهاد الذي يمارسه النظام على معارضيه لأربعين عاماً.
التخوف ليس من اضطهاد الأقليات الطائفية، إنما من اضطهاد الأقليات التي قد تجتمع الطوائف – بأكثريتها وأقليتها – في حالات تعصبها على اضطهادها، وأعني الاقليات الفكرية، فالسعي الدؤوب في السنين الخمس أو الست الأخيرة نحو تكريس نموذج حقيقي من الحرية الفردية والذي كان يصطدم دائماً بأهواء النظام السياسية وأحياناً الشخصية قد يبدو مستحيلاً في ظل دولة تبنى على أساس ديني أو آخذاً الدين كمتغيرٍ أساسي في اختيار أي الحريات يجب صيانتها أو أي الحريات لا يجب لها ذلك، بهذه الأقلية الفكرية أعني اللادينيين والملحدين واللأدريين والكثيرين غيرهم ممن لا يلتزمون بالنموذج الأساسي التقليدي للأديان الأساسية في سوريا في تعاملهم مع الإيمان الروحي، وربما يرى البعض أن هذه المخاوف غير مبررة، ولكن بالنظر إلى الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلى الحكم بعد ثورات نجد الكثير من الأمور المثيرة للقلق، كالدعوات في مصر إلى قوننة ختان الفتيات، والعمل على منع الكحول – بكلماتهم هو الخمر – والاعتداءات المقززة التي مارسها أنصار النهضة التونسي على ناشطين من الطرف الآخر الذي لا يقبلونه.
ما الحل؟ بصراحة هذا الأمر لا يبدو لي من الأمور المستعجلة للحل الآن، خصوصاً أن هناك أطفال ونساء وشباب يقتلون كل يوم، وإنقاذ حيوات هؤولاء هو الأولوية الأولى والأخيرة في الوقت الحالي، ولكن على أقل تقدير فإن شباب الثورة عليهم التخفيف قليلاً من التعبير عن الثورة بشكلٍ ديني، والذي أعلم أنهم يبالغون فيه أحياناً، الحل هو إبقاء التطمينات للأقليات الفكرية – التي هي نفسها جزءٌ من هذه الثورة – ظاهرة في العلن وعدم اقتصارها على النقاشات الشخصية والجلسات الفردية، وأن نتذكر أن ثورتنا لن تستمر وتحقق نصرها سوى بتكاتفنا سوياً وعدم الانقسام على بعضنا البعض، الأمر الذي يراهن النظام عليه ويسعى إلى تحقيقه كل يوم.