من حمصيّ .. إلى كلّ سوريّ في هــذا الزمــــن المؤلـــم الجميــــل
عذرا من كلّ ســـوريّ غير حمصيّ .. عذراً .. قد تختزل سوريّتك في دمشقيّتك .. أو حمويّتك .. أو حلبيّتك ..ولربمّا درعاويتك .. كلّهم شرف لنا .. ولــك … لكنّني أنا الحمصيّ أختزل حمصيّتي في سوريّتي ..
ثمانمائة شهيد في خمسة أشــهر .. ستة شهداء كلّ يوم.. شهيد كلّ أربع ساعات .. آلاف طلقات الرصاص .. هذه هــي حمص إن لم تكن تعلـــم…
كانوا يستهزؤون من أربعائنا ..من سذاجتنا الذكيّة .. لكنّنا اليوم .. نجعل من دمائنا دموعاً لكم و ابتسامات حالمة لا تعرف رزنامة إلا الحريّة و الشــــرف.
كانت تبدأ النكات بـ: “في حمصي و حلبي و شامي كـــانوا … ” و الآن تبدأ الأخبار ” في حلبي و شامي كانوا .. والحمصي كـــان حيّا والآن شـهيداُ ..” .. إن كنتم قد ظننتم أننا تعســـاء فأنتم مخطئون.. لم نفقد ابتسامتنا حتى في موتنا حتى في آخر لحظات الحياة والشهادة..حتى في صمت الجميع كنّا نبتسم ونبتسم ونبتسم ..طيّبوا القلب ..نعم ..وهذا فخـــر لا عــــار .. أحياء لا أموات..سائرون لا غائبون ..
في حمص لم يعد ” للشنكليش” تلك الرائحة العفنة .. كلّ شيء صار أزكى .. وأعطر.. كلّ شيء على حاله ..لكنّه قد تغيّر ..
في حمص ألفنا صوت المدافع و الرصاص .. وافتقدنا صوت مدفع رمضان الحنون ذاك الذي يمتزج مع أذان مغرب روتيني السوس و الجلّاب .. أمّا اليوم نفطر على أصوا ت المدرعّات و القنابل .. وشيخنا في جامعه مازال يتلو نفـــس الأذان لكن بطعم آخر ..طعم الدماء المخضّبة في صوته الشجيّ..
حالمون ..نعم..صابرون نعم..اعتدنا الألم فصار أمل .. و اعتدنا الشهادة فصارت أمل..أعتدنا أن نخرج من بيوتنا كلّ صباح متوضّئين مقبّلين أرجل أمّهاتنا و آبائنا ..هل سنكون شفعاء أم هم من يكونوا الشفعاء.. وحين نعود سالمين إلى بيتنا المرتجف النوافذ ثابت المنافذ..كأننا عدنا من رحلة حياة أو موت ..
لا أريد أن أبثّ فيكم الرعب أو اليأس ..بل أريد منكم أن تستكشفوا كيف نخلق الأمل من رحم اليأس.. لا أعلم من أين أتينا بكل هذا الصبر و السلوان .. لا أعلم كيف يسقط أخوتنا قربنا و نحمل بكل عزيمة أجسادهم الطاهرة لتمتزج ذكرياتنا و ذاكرتنا مع ريحهم ودمائهم ولربما بقايا من أشلائهم وصراخنا وصمتنا و صبرنا وحلمنا و غدنا و أهلنا و أرضنا و سمائنا و مقابرنا و عزمنا .
مررت اليوم في ساحة الساعة .. لا طعم للساعة اليوم لا ولا للزمن ..أسميناها ساحة الحريّة ..فهناك توقّفت عقارب ساعتنا ليرتقي خلال الزمن و الأمل شهداء كانوا بالأمس أحياء… واليوم .. أحياء أيضا ..ولكن في مكان آخر..
مازال جهابذة العصر يهرشون رؤوسهم يحاولون فك شيفراتنا الوراثيّة..ماذا ناكل؟ّّ ماذا نشرب؟؟ كيف ننام؟؟ لم يعرفوا أننا نشرب من العاصي .. و نأكل من تراب تشرّف ببركة 100 صحابي و خالدنا إبن الوليد و يوحنا المعبدان . ننام ولا عقارب حولنا .. شربنا شرف الشرف من أب جدنا الأكبر..
حمص مازالت سورية مصغّرة .. باقة أزهار ..كلّ حارة قرب الحارة .. زهرة قرب الزهرة..مهما ابتعدت حارتان لكنّ عبق الشوق يشدّ عطرها وشهدها إلى الأخرى ..كيف لا و نحن في بوتقة واحدة… فنزهتنا زاهرة على باب سباعنا ..أليمة هذه اللحظات ..لكنّ شعبا جبّارا لم يُطفئ انتماهم إلى حمصهم مهما حصل ..مهما حــصل…
أنتم قلقون علينا ..هه!! …نحن القلقون عليكم … إن متنا فنحن شهداء.. فرحين .. وإن عشنا فنحن مشاريع شهادة فرحة.. إن جُرحنا فقد اعتدنا الألم فصار جزءا من بسماتنا ..
نحن أهــل حمص .. أحياءٌ مهما متنا .. أحياءٌ مهما عشنا … لم و لن نعرف طعم الموت .. وطعم النوم…مهمــــا متنا …مهما نمـــــنا ….
لكــــــم الــــــود
———————-
يامن الشــامي
22-08-2011
تعليق واحد
يا اخي عشت وعاشت حمص حرة ابية