ترجمة: A.ALH
…………………………………
تجربة منبج 10/02/2012
الثوار يحرزون تقدماً في إدارة المدينة المحررة:
بواسطة كريستوف رويتر وعبد القادر الدهن
…………………………………
لقد قمت بترجمة المقال التالي عن الدير شبيغل و ذلك لسببٍ بسيط فقد لاحظت أن ما ينقصنا في المواقع السورية المناصرة للثورة هو الحديث الميداني, المبني على أحداث تدور على أرض الواقع ، فالقارئ يستطيع أن يجد في أيٍّ من هذه المواقع العشرات من المقالات المليئة بالتنظير و بالتحليل و المتخمة بالنصائح عمّا يجب و لا يجب فعله و الملاحظ أن أغلب هذه المقالات هي من مغتربين قضوا أغلب الفترات المتأخرة من حياتهم خارج البلاد.و لاحظت أن الصحفيين الأجانب حتى أصحاب مقالات الرأي مثل ديفيد أغناتيوس قد توجهوا الى الداخل السوري لاستكشاف القوى الجديدة .
المقال التالي من الدير شبيغل يقوم على معايشة لأحداث حقيقية على أرض الواقع أبطاله من لحم ودم وهم البشر الذين يصنعون اللحظة و التاريخ و هم الذين يواجهون الصعوبات الحقيقية التي ستواجه الشعب من الماء الى الكهرباء الى الشرطة و الرواتب و غيرها الكثير. و لربما سيتبين للكثير أن إسقاط النظام هو الجزء الأسهل و أن بناء النظام الجديد هو الجزء الصعب حقاً من المستقبل …
لقد تحمل الثوار المسؤولية عن إدارة إحدى المدن الكبر ى و التي تحررت في سوريا.حيث استجابت قوات بشار الأسد للاستفزاز بالضربات الجوية التي تستهدف المدارس والمستشفيات. النظام يقوم بسحق أجزاء كبيرة من البنية التحتية للبلاد، بما في ذلك إمكانية الوصول الى مياه الشرب العذبة.
_________________________________________________
اقتحم كبار السن الغاضبون الغرفة غير مبالين بأصول اللياقة يصرخون بشدة على المسئولين المندهشين فالثورة جيدة للغاية ولكن ” أين رواتبنا التقاعدية”
بصعوبة، تمكن أحد رجال اللجنة القضائية من اقناعهم بتعيين متحدث باسمهم ، بحيث لا يتكلم الجميع بوقت واحد . و لكنهم ظلوا على إصرارهم . “أنتم الحكومة الجديدة! إنها مسؤوليتكم لدفع رواتبنا التقاعدية!”
أحد الزعماء القبليين يراقب المشهد من على كرسيه. رجل دين ومحامي يجلسان على أريكة، ويناقشان قوانين السجناء. وقائد الشرطة الجديد يريد أن يعرف كيف لرجاله العودة مرة أخرى الى الشوارع. على الرغم من امتلاكه لأربع و عشرين بدلة من الزي الجديد ، فهناك ضعف هذا العدد من رجال الشرطة كما تفتقر قوات الشرطة أيضا للذخيرة اللازمة لأسلحتهم .
يجتمع المجلس الثوري في مبنى مركزي يسمى السراي، حيث تواجدت سابقاً مكاتب رؤساء البلدية والشرطة والمحكمة والسجل العقاري ، انه حيث كانت تجتمع حلقات السلطة معاً . الآن وقد استعاد البناء وظيفته السابقة، يبدو أن الأدوار قد انعكست متروكة لتسير شؤونها لوحدها.
ما يحصل في منبج تلك المدينة الغافية في الشمال السوري و التي تواجه أول تجربة مع المستقبل و ذلك في خضم الرعب. و بينما يحارب الثوار قوات النظام في أماكن آخرى من البلاد، حيث تقصف بلدات بأكملها متحولة إلى أنقاض، تعتبر منبج أكبر المدن السورية المحررة. فمنذ انسحبت قوات النظام في منتصف تموز الماضي، حكمت المجالس المحلية مئة و خمسين ألفاً من سكان منبج والمنطقة المحيطة بها، والتي هي موطن لأكثر من نصف مليون شخص.
في الربيع انسحب الجيش من قطاعات واسعة من شمال سوريا ، ولكن ببساطة فان حقيقة التخلي عن مدينة بأكملها بشكل رئيسي كان نتيجة لحصافة الجانبين. فبعد عدة أشهر من المفاوضات مع رؤساء الأجهزة الأمنية مطلقي الصلاحية حيث مّثل المعارضة أحد سماسرة العقارات الدهاة ، توصلوا بشكل هادئ للعديد من الصفقات . وافقت المعارضة على الحد من الاحتجاجات إلى خمسة عشر دقيقة، وفي المقابل تعهدت قوات الأمن بعدم إطلاق النار على المتظاهرين. المدينة تدين أيضا بحظها الجيد لعزلتها النسبية، حيث أصبحت في نهاية المطاف محاطة بمناطق خاضعة لسيطرة الثوار.
المفاوض إبراهيم السلال، يقول “عنما أراد النظام أن يبدأ حربه كان الوقت قد فات بالفعل فجميع الطرق قد أصبحت مغلقة”, و انسحب رؤساء الأجهزة الأمنية وميليشيات الشبيحة صباح التاسع عشر من تموز و انشق واحد و خمسين شرطياً لينضموا الى الثورة.
لقد تركت منبج لتدير شؤونها بنفسها . فبعد أربعة عقود من الديكتاتورية، يواجه سكانها فجأة بمهمة إدارة دولة-مدينة مستقلة حيث لا يتمكن الشخص من ضمان الرواتب التقاعدية و لا حتى البقاء .
غارات جوية يومية منذ منتصف أب، يحاول النظام في دمشق تدمير الأجزاء من البلاد التي لم يتمكن من الاحتفاظ بها. القوات الجوية السورية تشن ضربات جوية يومية ضد منبج وغيرها من المدن في الشمال. والهدف من ذلك ليس مهاجمة الثوار و الذين يغيرون مواقعهم باستمرار، بل لتدمير البنى التحتية. وتستهدف الضربات، على وجه الخصوص، أنابيب مياه الشرب وصوامع الحبوب والمستشفيات والمباني الحكومية والمدارس.قد لا يتمكن نظام الرئيس بشار الأسد من كسب الحرب، ولكنه يمنع الجانب الآخر من الفوز.
لا يوجد الكثير ليفعله الثوار ضد الغارات الجوية ،و التي يستعمل النظام طائرات تدريبية لتنفيذها ,و الصور الملتقطة من السماء تشبه القاذفات من الحرب العالمية الثانية، حيث تجري الهجمات بنفس الاسلوب فتنقض الطائرات على أهدافها ثم ترمي قذائفها و ترتفع مرة ثانية.
لا يوجد أي ذكر للغارات الجوية على شاشة التلفزيون السوري، الذي يصف جهود قوات النظام “بأنه” نضال بطولي ضد الإرهابيين “، و يزعم التلفزيون أن جماعات الإرهابيين قد محت مناطق كاملة من المدينة.و يبث لقطات لأنقاض المباني متعددة الطوابق التي تم تدميرها في الواقع من قبل سلاح الجو.
و كلما غدا الوضع أكثر ترويعاً أصبح باقي العالم أكثر هدوءاً. مئة شخص يموت كل يوم في جميع أنحاء البلاد على الأقل ، ولكن البرامج الإخبارية تركز بشكل حصري تقريبا على القتال في أكبر مدينتين سوريتين، دمشق وحلب. و لا يوجد أي ذكر تقريباً للقصف الجوي على المدن و البلدات الأخرى.
فشل محاولات التوسط في الأسبوع الماضي، دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للحماية الدولية لل”المناطق المحررة” في الشمال، وهدد دمشق، قائلا: ” لن تستمر في الصمت” ولكن هذا هو بالضبط ما يحدث.
رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما, لن يقوم بأي اجراءات عسكرية قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني ,و خصوصاً بعد موجة العنف التي اجتاحت العالم الإسلامي ,نتيجة ظهور مقاطع من فيلم مسئ للرسول محمد على اليوتيوب, فقامت الغوغاء في ليبيا بقتل السفير الأمريكي, و قتل حوالي عشرين في مظاهرات في باكستان .
لم يرى أي شخص من منبج الفيديو ، لأنه لا أحد يستطيع . فلا يوجد إنترنت في المدينة. وقد قطعت كافة الاتصالات الإلكترونية على العالم الخارجي، فقط شبكة الهاتف الثابت المحلية لا زالت في الخدمة. ولكن حتى من دون مشاهدة الفيديو، لا أحد في منبج يفهم هذه الهستيريا.
“نحن لا ننتقد الغضب من إخوتنا المسلمين”، يقول أحد رجال الدين ”، ولكن أين المظاهرات ضد قصف المساجد في سوريا؟”
وفي الوقت نفسه، يدعي الرئيس الأسد أن الوضع بالفعل أفضل بكثير مما كان عليه قبل عام، لكنه يضيف أن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل انتصار القوات الحكومية على الإرهابيين.
“نحن نحاول بناء نظام جديد”“انه جنون”، يقول أنس شيخ أويس، أحد الشخصيات الرئيسية في المجلس الثوري في منبج وهو في الحياة المدنية، صاحب مصنع صغير للسيراميك. “نحن نحاول بناء نظام جديد، في حين أن القديم لا يزال يحاول تفجيرنا.”
توفي ستة أشخاص في العشرين من أيلول، عندما انفجرت قنبلة في الساحة الرئيسية، على حين تضررت المدرسة و مقر الشرطة قبل بضعة أيام. يتم الآن نقل ملفات المحكمة، وشهادات الزواج ووثائق تسجيل الأراضي إلى بر الأمان في الريف، وذلك قبل إصابة السراي بانفجار ما. وقد فعلت الشيء نفسه مدينة صغيرة إلى الجنوب قبل أيام قليلة. أحد المحامين في اللجنة القضائية يسمي هذا “إنقاذ البلاد من تدمير الحكومة.”
لابد من تهريب الوقود الى داخل المدينة،و لم يستلم الموظفين رواتبهم، والسبب الوحيد لاستمرار وصول الكهرباء أنها على مقربة من سد الفرات، الذي يمد أجزاء كبيرة من سورية بالطاقة. من غير المرجح أن يقطع النظام الكهرباء عن منبج ، فعندها سيوقف الثوار تشغيل محطة توليد الطاقة الكهرومائية ويقطع إمدادات الطاقة عن نصف الدولة.
.
هموم البقاء الأساسيةالأسئلة الكبيرة التي تطرح في الغرب، مثل تسلل تنظيم القاعدة الى الثورة وعن نشوب الحرب الأهلية، تتمتع بأهمية قليلة في منبج . بدلا من ذلك، يجب أن تواجه المدينة القضايا الأكثر إلحاحا، مثل القدرة على إعادة فتح المدارس قريباً، و ما يجب القيام به مع اللاجئين من المناطق الأخرى الى منبج. وإذا فتحت المدارس، فمن سيأتي بالكتب، فالحكومة المركزية لم تعد تفعل؟ و أي علم يجب رفعه بحيث تتوقف الطائرات عن مهاجمة المدارس عند افتتاحها ؟ العلم الجديد،ذو الثلاثة نجوم ؟ خطير جدا. العلم القديم؟ غير وارد.
أهل منبج أكثر قلقا إزاء الحصول على الدقيق للشهر المقبل، أو حول توزيع الخبز من المخابز المركزية، بعد تعرض طوابير الانتظار أمام المخابز للهجمات في منبج وغيرها. أنهم قلقون بسبب مياه الشرب والبنزين والانتخابات والبحث اليائس عن المال. “سنفلس خلال شهر”، كما يقول محمد علي الشيخ ، أمين الصندوق المؤقت للمدينة.
من المسؤول ؟من المسؤول في منبج. المجلس ؟ الثوار مع الجيش السوري الحر ؟ و من يسمح باعتقال من؟
في صباح أحد الأيام، وجدت وحدة من الجيش السوري الحر في مزرعة خارج المدينة ثلاثة أشخاص تعرضوا لانتهاكات شديدة وخاطفيهم الخمسة.
وقال الخاطفون: ونحن أيضا مع الجيش السوري الحر ، وقمنا باعتقال ثلاثة من الشبيحة (ميليشيا النظام سيئة السمعة). في حين قال أحد الرجال الثلاثة المعتدى عليهم أنهم كانوا مجرد مزارعين وليس لديه فكرة لماذا يقوم الآخرون بخطفهم وتعذيبهم.
احتجز الجميع في سجن مؤقت، في الطابق السفلي من الفندق الوحيد في منبج، حتى يتبين من اختطف من . ولكن في غضون ساعات، اقتحمت مجموعة من الرجال المسلحين من قبيلة الخاطفين المدينة، وأطلقوا النار في الهواء و قام الرجال من كتيبة الجيش السوري الحر المحلية، ” ثوار منبج ” بفعل الشيء نفسه. في غضون ثوان، أغلقت المتاجر ابوابها و ركض الناس للاختباء. ثم تفاوضت المجموعتان وهدأت الأمور مرة أخرى – في الوقت الحالي.
وحدات الثوار المتنافسة لقد تطورت قوات الثوار في جميع أنحاء سوريا من الأسفل إلى الأعلى. إنهم يقاتلون من أجل نفس الأهداف لكنهم يتنافسون فيما بينهم من أجل السلطة والجهات الممولة. دون الجيش السوري الحر ، لن يكون هناك حكومة جديدة في سوريا، و حتى مع وجوده من الصعب تشكيل حكومة جديدة .
يطالب أحد المحامين في اجتماع ليلي للمجلس الثوري بنقل جميع السجناء من الوحدات المختلفة الى السجن المركزي.
رؤساء لجان الشرطة والقضاء والشؤون الاجتماعية والطاقة والرعاية الطبية يجتمعون تقريبا كل مساء. لقد تولى أبرز المواطنين في المدينة السلطة، على الرغم من ادعائهم أنهم سوف يتخلون عن ذلك في أسرع وقت ممكن،أي حالما يستقر الوضع. إنها مجموعة متنوعة من رجال الدين والمهندسين والصيادلة و المسؤول الاستخباري السابق الذي كان يشرب مع الإرهابي “كارلوس ابن آوى” منذ عقود. مدير مصنع السيراميك، وكذلك المحامي الشاعر الذي أمضى في السجن خمسة عشر عاما
عنما يتناقشون عمن يجب سجنه من مسئولي النظام فالمحامي حسن نايف هو الذي يدعو الى الغفران على الرغم أنه أكثر من عانى “لقد قمنا بثورتنا من أجل المبادئ و ليس للانتقام ,نحن معارضون لبشار و لكننا لا نريد أن نصبح مثله”
يقاطعه أحد أعضاء اللجنة “ذلك جميل و لكنني إذا تكلمت بشكل جيد مع أحد الشبيحة فهل سيعترف بالجرائم التي ارتكبها”
و يختلفون حول التسويات و يدخنون بشدة و أخيراً بعد منتصف الليل فإنهم يتوصلون لقرار مشترك حيث يمنع أحد رجال الدين و الذي كان أحد أبواق النظام من الخطبة يوم الجمعة.
يبدو أن التجربة تعملعلى الرغم من العوائق الكثيرة , فمنبج تسير شؤونها بشكلٍ حسن. إنها المدينة الوحيدة في الشمال حيث متاجر الذهب لا تزال تفتح أبوابها ,عمال النظافة عادوا الى الشوارع, صحيفتان جديدتان تنشران أحداهما تدعى “شارع الحرية”و التي تعرف نفسها “كاسبوعية سياسية مستقلة”. خلال اسبوع نرى شخصين يرتديان ت شيرت مرسوم عليه تشي غفارا في حين نرى علم واحد للقاعدة، و حتى القلة من المتشددين الإسلاميين يتكلمون عن الانتخابات.
منبج حققت أكبر تقدم بين المدن السورية و لكنها ليست استثناءً. ففي حلب المدينة الكبرى يقوم قادة الوحدات الكبيرة و التي يتجاوز عدد أفرادها الأربعة آلاف بتشكيل مجلسً عسكريً. ويحاول محامون من المدينة تطبيق معايير موحدة للاستجواب و التحقيق في سجون الجيش الحر .وحيثما وجدت مناطق خاضعة لسيطرة الثوار في الشمال تتشكل مجالس قروية ولجان محلية لتملأ الفراغ, على الرغم من استمرار القوات الجوية السورية بالتدمير اليومي للبنى التحتية.
تزامن غريب للمتناقضات، فبعض المّتزنين من الثوار يرجو الاستمرار هكذا لفترة أطول قليلاً. أحدهم هو رجل مسن نحيف، أمضى اثنين و ثلاثين سنة يعمل كفني في محطة السكر المحليةو كان أحد المبعوثين الثلاثة الذين توجهوا إلى محطة التحويل في سد الفرات لإقناع المسئولين هناك بالحفاظ على إمدادات الطاقة. أناس “الأسد” يعتقدون بانتصارهم.هذا لن يحدث، ولكن أرجو أن يتمسكوا بهذا الاعتقاد لفترة أطول “، كما يقول مفكراً، “وإلا فإنهم سيدمرون كل شيء”
المقال تجدونه على الرابط التالي (إضغط هنا)