سنتين أو ما يقل عن ذلك بقليل هو عمر ثورتنا المجيدة، ثورتنا التي سطّرت أروع صور البطولات والتضحية، ثورتنا التي جُوبهت بجميع أنواع الأسلحة وأكثرها فتكاً وخطورةً، فما زاد ذلك شعبنا إلا عزماً وإصراراً على متابعة المسير، وعلى بناء وطنٍ حرٍ نعيش فيه جميعاً ..
دعونا نتفق أن الشعب السوري عظيمٌ بلا أي شك، فأي شعبٌ وُجّهت له كل هذه الأسلحة وحوصر كل هذا الحصار وبقي صامداً كما هذا الشعب الرائع ؟! بل أي شعبٍ تعرّض لما تعرّض له الشعب السوري من تجويعٍ وحصارٍ وتشريدٍ وتآمرٍ دولي مفضوح ؟ أكاد أجزم أن الثورة السورية غير مسبوقة في التاريخ ! وعلى الأقل الحديث منه .. وأحبّ أن أطمئن الجميع أن شعبنا كسر الأغلال ولن يعود إليها مرّةً أخرى على الإطلاق ..
وبعد هذه المقدمة التفائلية .. لنبدأ بالنقد !
شعبنا عظيم .. لا جدال في ذلك .. ولكن يظهر أن القمع الذي مورس عليه من نصف قرن والحرية التي لاحت بوادرها جعلت الكثيرين منّا يفقدون الاتجاه ويسيرون بعكس التيّار !
فلا أظنّ أن أحداً من القرّاء الأكارم يختلف معي في أن هناك الكثير من المجموعات والتشكيلات والأحزاب والفئات أن هناك الكثير منها “يغني على ليلاه !” ولست هنا في موضع توجيه التهم لأحدٍ بعينه، لأنني من أكثر من يؤمنون أن الفوضى الحاصلة في البلد على جميع الصُعد كفيلة بجعل كل جماعةٍ من الناس تعزف على وترها الخاص وتتناسى أو تتجاهل ما قام الشعب السوري من أجله في الأساس ..
قام الشعب السوري قائلاً “الله .. سوريا .. حرية .. وبس !” فما بالنا تناسينا ما هتفنا به ؟! قام الشعب السوري صارخاً “واحد .. واحد .. واحد .. الشعب السوري واحد” فما بالنا تجاهلنا هذه النداءات والصرخات والتي ارتقى في سبيلها الكثير من أبناء وطننا ؟!
لو عُدنا بذاكرتنا إلى الوراء في بدايات الثورة، كان همّ النظام وشغله الشاغل ينحصر في تثبيت وإلصاق تهمة الفئوية والتقسيمية والطائفية فيما بيننا، والناظر لحال الكثيرين منّا الآن يقول: لقد نجح النظام في إلصاق هذه التهمة بكم أيها السوريون ! إن إلصاق هذه التهمة بنا أصلاً هدف النظام الأساسي والذي يستطيع من خلاله اختراقنا وتقسيمنا وخلق العداوات الطائفية والعرقية والقبلية والفئوية وغير ذلك !
النظام ساقط .. لا محالة في ذلك .. ومن يشكك بهذا فهو أحمق ! ولكن النظام يريد مجتمعاً سورياً مفككاً بعد سقوطه ! يريد منّا أن نسفك دم بعضنا، يريد منّا أن نتنكر لدماء أكثر من ستين ألف شهيد ارتقوا حتى الآن وأن ننشغل بدلاً من بناء وطننا بخلافاتنا السخيفة والمنتنة والقبيحة !
هذا النوع من التصدع في المجتمعات خطيرٌ جداً، وهذه الجارة “لبنان” وحربها الأهلية التي استمرت لما يقرب من العقدين أكبر دليلٍ على خطورة ذلك وعلى مدى ما يمكن أن يفعل مثل هذا التصدع بالمجتمع وبالدولة من تأثيراتٍ سيئةٍ تدوم طويلاً ..
دعونا نعود لنتحدث جميعاً بضمير “نحن” وليتناسى كلاً منا همّه الشخصي، وليذيب كلاً منّا ال”أنا” الخاصة به في “نحن” الجماعة، بغرض إعادة تشكيل فسيفساء الشعب السوري العظيم، مضرب المثل في التسامح والتآخي في العالم كله ..
دعونا نحقق نصراً على أنفسنا في البداية من أجل تحقيق ذلك، دعونا نتناسى أنفسنا ونتجاهلها، نتجاهل طلباتنا الفئوية، وصدقوني هذا هو الضمان الوحيد لتشكيل “سوريا” المستقبل التي ستحترم الجميع ويعيش الكل في كنفها ضامنين لحقوقهم ..
دعونا نحكم صوت العقل الواعي، والذي يخاف على وطنه، وعلى أبناء شعبه، وعلى مقدراته، دعونا لا نعيد تكرار الأخطاء التي سبقنا إليها الكثيرون، دعونا نكون صورة ونموذج يُحتذى به في ذلك ..
وصدقوني .. كلنا تعرضنا خلال نصف قرن للقهر والذل والهوان، وكلنا كان يعيش في حالة عبودية تامّة “على اختلاف طوائفنا وأعراقنا”، فلا مجال اليوم للتخوين ولتوزيع شهادات الوطنية ! دعونا نترفع عن هذه السخافات ونتناساها لأنها ببساطة منتنة وقبيحة ولن تجلب سوى الخراب والدمار لنا ولوطننا ..
أثق والله بقدرة شعبنا العظيمة على تجاوز مثل هذه المحنة التي أصبحت مصدر قلقي الوحيد في هذه الأيام ..
ورجاء لنتكلم دائماً ب”نحن” الجماعة ونتناسى ال”أنا” الفردية لكل واحدٍ منّا حتى نستطيع بناء وطنٍ يتسع لنا كلّنا ..
ودمتم ..
إبراهيم حسن
30/1/2013