مصطفى أبازيد
———————
في فترة كنّا نعاني فيها نقصاً في الكرامة، و غياب للرموز، و عدم الشعور بثقلنا على هذه الكرة الأرضية التي تحمل بقعة من الأرض تربّى أبناؤها على أن كل مصائبهم في هذه الحياة سببها أن اسرائيل جارتهم و أن أرضهم هي الفتاة الجميلة المسلوبة الارادة التي يطمع فيها و يستغلها كل العالم و يتلاعب بها حسب اهوائه، و هم لا حول لهم ولا قوّة فالاستعمار خلّف عندهم حكومات مستبدّة لم تترك لهم اي حريّة، حكومات غير قابلة للتبديل فالغرب الطامع او التطرف سيكون البديل لهذه الانظمة التي أنشأت بيئة غير صحية لنمو الفكر القادر على التغيير، ظهر حسن نصر الله ذلك الرجل المرتدي لعمامة الدين المتحدث بلسان المظلومين، لسان هذه الشعوب المسحوقة، محققاً انتصاره الأول في تاريخ ملئ بالهزائم و المهازل، للمرة الأولى نستعيد أرضاً و بيوتاً لبشر هجّروا منها قسراً، للمرة الأولى يحس ابن هذه المنطقة بنشوة النصر الذي لم تحققه دول بل ارادة الشعب المظلوم، و مع خروج بعض الأصوات التي تتهم الحزب بالطائفية و الاقصاء و اقامة دولة داخل دولة، تخلى الكثيرين منّا عن مبدئيته و اتهموا هذه الأصوات بالخنوع، فهذا الشخص لا يظهر طائفية ويمثل قوة الخير التي عشنا على رواياتها في الطفولة، لم يميز بين الطوائف بل خدم بلده و مثّل المدنية في اجمل صورها، و بقي ايمانه له و عمله الجيد للجميع، و هكذا رفضنا أصوات محاربيه و ما ضره لدى الكثيرين تعاونه مع ايران فكل هذا كان مبرراً في سبيل صفحة كرامة واحدة في كتاب الذل الطويل .
نعم حسن نصر الله لقد فعلت ما لم تستطع ان تفعله ايران بـ 3 عقود و كنت خير مسوّق و واجهة لسياساتها الخارجية رغم كل الحروب الاعلامية و حملات التشويه الهائلة وحرب العراق و الأزمة الشيعية – السلفية في المنطقة و التي أخذت عدة اشكال … كنت بنظر الكثيرين تشي جيفارا، تسوّق افكارك بسلاسة . و الناس مبهورة بأناقتك و فصاحة حديثك و جمال طرحك و سيرتك الحسنة و ظهورك الفاتن الغامض و كأنك المخلّص المنتظر في الروايات والاساطير، هنا استذكر خطابك يوم قصف البارجة الاسرائيلية في شواطئ بيروت و تأكد الناس من الخبر على الهواء مباشرة فكسبت مصداقية فقدتها هذه الشعوب في كل خطابات زعمائها . فأصبحت رمزاً و حدثاً لافتاً يبهر الصبايا و يأسر الشباب و يذكر المسنين بمجد قديم.
وجاء الربيع العربي، ربيع تساقط الأقنعة، ربيع الشعوب المظلومة، من بوعزيزي تونس الثائر ضد التهميش و الاقصاء الى ثورة مصر المباركة ضد الظلم و مصادرة البلاد، الى ثورة البحرين ضد التمييز و التسلط، وثورة ورود اليمن لاعادة صورة اليمني الانسان الحي المدني المتحضّر، وثورة ليبيا ضد الثورة المعاقة للقائد المريض الذي اختصر ليبيا بخيمته وصوره، وثورة سورية ضد الدولة البوليسبة الأمنية المجرمة، بدأت الشعوب ترسم تاريخاً حيّاَ جديداً بعيداً عن صورة القائد المخلّص، حيث أصبح طريقها واضحاً بدون الحاجة لصورة زعيم أو رمز يقود احلامها، لم تعد تحتاج لسراب حسن نصر الله حلماً في مخيلتنا لنصر تنتظره و تلميع لبشاعة التاريخ .
و عادت العيون لتنظر إليك بترقب، و تساؤل، عنك كرمز تكلم بلسان هذه الشعوب المظلومة ولكن بدل أن تقف في صف الشعوب الثائرة و تدعمها لتحافظ على احترامك لديها فقد رأيت في ثوراتها، ثورات ضد أنظمة التخاذل والاستسلام و لم ترى ان للانسان المظلوم حق في الثورة ليعيش أولاً قبل ان يثور ضد مشاريع لم يعد يرى فيها اكثر من شعارات تسويقية، ثم ليرسم مشروعه المستقل، وقفت بطائفية بغيضة مع ثورة اهل البحرين المباركة في وقت اعتبرت فيه ثورة السوريين ضد حلفائك مؤامرة ضد اخر حصون المقاومة و الممانعة، و لم تزعجك رائحة دماء الشعب السوري تحت بساطير اصدقائك المقاومين .. تعرى السيد حسن نصر الله ليظهر للجميع موظفاً مسوّقاً لمشروع ايران، هنا لا اتحدث ان مشروع اميركا في المنطقة افضل، ولكن الشعوب الان تحاول رسم مشاريعها المستقلّة عن كلا المشروعين، و كلنا يذكر صورة ذلك الشاب المصري ينزل علم اسرائيل عن مبنى السفارة بعد نجاح ثورة مصر، بإرادة مصرية لم تمتثل لإيران ولا تحقق اهداف المشروع الامريكي .نحن نصنع مستقبلنا اليوم و نحقق أحلامنا ونرسم مسارنا ولم نعد نحتاج لوصاية أحد و قيادة أحد .
, وضوح الصورة يجعلنا ننظر اليك واحداً من ملوك طوائف لبنان المسلحة الذي عطّل حياة لبنان بقوّة سلاحه و عزز الاصطفاف الطائفي في البلاد و اعاد اليها توترها و حربها الأهلية الباردة، و ما احتلالك لبيروت في مايو منذ سنوات، و تعطيلك للحكومات و تشويهك للحياة السياسية اللبنانية بسياسة التفرّد و القوة الا جزء من مصادرتك للبنان الجميل و رهنه لمشروع غير وطني، نصر الله .. ثوراتنا عرّت قبحكم و ازداوجية معاييركم و مصلحيتكم . أصبحت عيوننا مفتوحة أكثر و زالت الغشاوة فوجدنا العمامة على رأس حزب يدّعي المدنية بينما يضم أبناء طائفة واحدة فقط . زالت رمزيتك لأننا لم نعد نحتاج رموزاً . ولا روايات بطولية اسطورية فنحن اليوم نسطرها واقعاً ملموسا بتضحياتنا . لم تعد تغرينا فصاحتك في الكلام ولا أناقتك و لحيتك المشذّبة . و اصبحنا نقرأ بصوتك ألحان الطائفية . سقطت اليوم، وبسقوطك سقطت واجهة مشروعك الذي كنت تمثّل والذي حاولت تسويقه لسنوات ..
لن أقول يا حيف . بل سأقول شكراً للبوعزيزي …