هناك الكثير من التطورات التي حصلت والتي تدل على أن النظام بالفعل باتت أيامه معدودة، تقل عن الشهرين ربما، منذ تعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية باتت الأحداث على الساحة السياسية تسري بسرعة، ولكن من بين هذه الأحداث هناك عدة معطيات لا بد من قراءتها حصلت في الأسابيع الأخيرة، وبالتحديد في الأسبوعين الأخيرين، ودون إطالة هي كالتالي:
أولاً التحول الغريب في الموقف الروسي، وعلى الرغم من تقليل الكثيرين من أهميته، تقديم روسيا لمشروع قرار يدين ما سمته بـ”الاستخدام غير المتكافئ للسلاح” كان غريباً بعد مرور أسابيعٍ قليلة على الفيتو الروسي الذي ترافق مع آخر صيني، ولا بد هنا من التركيز على حدثٍ تجاهله الكثيرين لسببٍ لا أفهمه وهو القمة الأوربية الروسية التي عقدت في بروكسل، والتي كان موضوعها صراحةً الملفين السوري والإيراني المشتعل بدوره، وكذلك المظاهرات المطالبة بإعادة الانتخابات في روسيا بحجة تزويرها، والتي ربما تعني أن أوربا استعرضت بعض القدرة على النفاذ إلى الداخل الروسي، ما أرمي إليه أن هناك صفقات تجري من تحت الطاولة تقضي بتخلي روسيا عن النظام أو تخلي النظام عن نفسه، وبالتالي بدأت روسيا بإظهار بعض التعاطف مع ثورتنا، والتي أعتقد أنها ستتبع بحركات أخرى مفاجأة وأكثر وطأة من مشروع القرار الذي قدمته لمجلس الأمن لتأمين استمرار مصالحها مع الحكومة القادمة، أضف لذلك الدعوة غير الحكومية الغريبة لفاروق الشرع لزيارة روسيا، والتي تحتم علينا أن نتذكر المادة 88 من الدستور الساري المفعول اليوم في سورية والتي تقضي بانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى نائبه في حال وجود مانع من ممارسته هذه الصلاحيات.
ثانياً تصريح مر مرور الكرام للرئيس التونسي الجديد المرزوقي، والذي بصراحة لا أذكر مناسبته ولكنه تزامن مع اجتماع المجلس الوطني السوري في العاصمة تونس، والذي تحدث فيه بكلماتٍ قليلة عن “منح حق اللجوء” للرئيس السوري، ما يعني أن مآل الأسد بات محط نقاش بين القيادات المجاورة له، وكان هذا التصريح تسريباً مقصوداً أو غير مقصودٍ ربما.
ثالثاً رسم المجلس الوطني السوري لملامح المرحلة الانتقالية بعد رحيل النظام، والتي يبدو غريباً اختيار هذا الوقت بالذات لرسمها، بالطبع كلنا نعلم أن تفاصيل تواصل المجلس الوطني مع الحكومات الغربية والعربية ليست معلنة بالكامل، والتي قد تكون قد طالبته بالتهيئة للمرحلة القادمة مع قرب حلول الفراغ السياسي في البلاد والذي لا بد أن يملأه أحد.
رابعاً توقيع المبادرة العربية، والذي كذلك على الرغم من الإقلال من أهميته فقد جاء مفاجئاً بعد المهل التي بدت كما لو أنها لن تنتهي، والتي بدا منها النظام واضحاً أنه يحاول كسب الوقت – حسب نظريتي الخاصة – لتجهيز ما تبقى من المنفى أو الملجأ الذي سيهرب إليه، والذي قيل كثيراً أنه في دبي أو موسكو، وهذه المماطلة أعتقد أنها كانت بشكلٍ أو بآخر بتواطؤ عربي ما، ولكن مع التوقيع يبدو أن النظام لم يعد بحاجة للكثير من الوقت لكسبه أو إضاعته.
خامساً القمع غير المنظم، والذي بات واضحاً توسعه في الفترة الأخيرة، والذي لا يبدو محاولة لقمع الثورة أكثر ما هو تسجيل حضورٍ بأن القمع موجود ويتزايد، وذلك كي لا يشتعل فتيل الثورة أكثر من السابق فجأة ويخرب الجدول الزمني الذي يسير عليه النظام نحو رحيله.
ما يؤسفني في هذه النظرية التي ليس من الضروري أبداً أن تكون صحيحة هو أن المخرج من الأزمة سينتهي بخروج الأسد من سورية نحو ملجأ أو منفى – سموه ما شئتم – دون محاكمة أو محاسبة، وأن المفاوضات ومن ثم التحضيرات التي أضاع النظام وقتاً لأجلها بالمماطلة قبل التوقيع على المبادرة العربية كانت كلها تسعى لتأمين هذه النقطة: عدم المحاكمة، وليس البقاء، وخدمته في ذلك كثيراً الأنظمة العربية الأخرى التي تريد للربيع العربي أن ينتهي كما فعلوا في اليمن بصفقة مشابهة وأكثر علنية من تلك التي أعتقد أنهم عقدوها مع الأسد، ذلك أن كل يومٍ يمر على الربيع العربية يجعل فتيل الثورات العربية على أنظمتها المستبدة التي لم تسقط بعد أقرب.
عاشت سورية حرة أبية والسلام لأرواح كل شهدائنا الذين سيبقون نقصاناً في فرحة نصرنا القريب.