هل سبق لك السماع بنظرية ”Six Degrees of Separation“ ؟
الفكرة ببساطة تدّعي أن أي شخصين في العالم يرتبطان (أو يفصلهما فقط) ستة أشخاص. و رغم أنني أعتقد بأنه مع ثورة المواقع الاجتماعية كالفيس بوك و تويتر قد يربطنا بأي غريب في العالم أقل من هذا بكثير إلا أنني سأخبركم هذه القصة مع الالتزام بالنظرية. للتنويه فقط: اكتشفت أنه يفصلني عن باراك أوباما شخصان فقط.
ولكن لماذا هذه النظرية الآن؟ أسوق لكم هذه القصة التي هي محض خيال لنعرف جميعا أننا كلنا نساهم في الجرائم التي تحصل حول العالم. فلا يقولَنَّ أحد أن لا دخل لي.
كان هنالك صبي يدعى عادل. كان عائدا إلى المنزل ذات مساء في قريته الصغيرة في ريف إدلب. صحيح أن عادل كان في الحادية عشرة من عمره و لكن عناده كان يفوق عمره. في ذلك الصباح كانت أمه تترجاه أن يبقى في المنزل و لا يذهب إلى المدرسة في الضيعة المجاورة إذ أن صاحب الدكان كان قد قال لها بأن الأمن و الشبيحة كانوا يطلقون النار عشوائيا على من يخرجون الشارع. كل هذا في سبيل منع الناس من الخروج إلى الشوارع للاحتجاج أو التظاهر. حتى فيما كانت تعد له صندويش الجبنة استمرت بترجّيه أن يبقى في البيت و لكن ما كانت توسلاتها لتجدي مع عادل. فهل كانت تتوقع منه أن يبقى في المنزل كالرضّع؟ ثم أنه كان مستعدّا لمباراة كرة القدم بعد المدرسة. هل كان سيدع فريقه يخسر مثلا؟ والد عادل كان في صفِّه و قال لزوجته أنَّ شيئا لن يحدث فهو ذاهب إلى المدرسة و عائد منها بالسرفيس مع باقي أولاد الضيعة. الحقيقة هي أن عادل عاد ذلك المساء إلى أمه مضرجا بالدم محمولا على ذراعي جارهم أبو سليم, عيناه مفتوحتان من الخوف و قلبه في سبات عميق.
كانت جانين تكره عملها كثيرا إذ أن عملها لم يكن يتجاوز رصَّ باكيتات السجائر في صناديقها. ثماني ساعات متواصلة من هذا العمل الرتيب. هي شخصيا كانت تكره الدخان و التدخين و لكن المدخنين المدمنين على هذه السموم في فرنسا و أوروبا و العالم أجمع كانوا في ازدياد و كذلك كان عملها. جانين كانت امرأة فرنسية بسيطة متوسطة العمر و لم تعطِ الموضوع كثيراً من التفكير. فكرت قليلا فيما إذا كانت تساهم مباشرة بقتل الناس و لكنها أقنعت نفسها بأنها إن رفضت هذا العمل كانت غيرها ستأخذه. كما أن لكل شخصٍ عاقلٍ حرية التصرف فهل هي تجبر أحداً على التدخين؟ ولكن من أين كانت شركتها تستورد هذ التبغ؟ ليس هذا بالأمر مهم لها و لكن بعضهم يقول من الهند و البعض يقول الصين و البعض يقول من سورية!
أما في دمشق فإن حمّى كانت ضاربة في دوائر و مؤسسات الدولة إذ كان المدراء مشغولين بجمع أي سيولة نقدية متوفرة. بعض هذه الأموال كان يجمع ليتم تهريبُها إلى البنوك الأجنبية و العربية و البعض الآخر يُجمع ليُرسل إلى إيران وروسية لشراء أسلحة و ذخائر جديدة. مدير المؤسسة العامة للتبغ منير , مثلا, كان منشغلا بجمع أرباح المؤسسة من العام الماضي حتى يحصل الأمن و الجيش على أسلحة تمكنهم من قتل المزيد من المتظاهرين.
وفي إيران ..في مصنع ذخيرة حكومي كبير جلس رجلٌ بلحية بيضاء مرتديا قفازيه الأبيضين. مثل جانين هو أيضا أمضى حياته في هذا المصنع. إلا أن هذا الرجل كان ,بخلاف جانين, يعاني من صراع داخلي شديد. فهو و منذ يومه الأول في هذا العمل كان يشعر بأنه يقوم بشئ سئ. و كم حاول أن يُقنع نفسه بأنه ما كان يُسهم إلا في الدفاع عن بلاده و كم أخبر زوجته و أولاده أن عمله كان في سبيل الدفاع عن جمهورية إيران الإسلامية و لكن في أعماق قلبه كان يعلم أنه و بكلِّ بساطة يُسهم في قتل آدميين. و لكن و أخيرا في السنة الماضية قرر أن يتقاعد مُبكرا. عاهد نفسه و عاهد الله أنه بمجرد تخرج ابنه محمود من كلية الحقوق في أميركا كان سيتوقف عن هذا العمل. و بينما كان يرصُّ تلك القطع المعدنية الممينة كان يسائل نفسه بصمت عن ماهية الأجساد التي ستستقر فيها.
كان محمود شابا على خلق و بمستقبلٍ لامع. ما إن استلم مصروفه الذي أرسله له والداه من إيران حتى بادر بدفع ضرائبه و رسوم الغرين كارد و الجامعة. في واشنطن ذاك اليوم كان مزمعاً عقدُ مؤتمر للخارجية الأميركية لتناقش فيما إذا كانت ستفرض أي عقوبات على رؤوس النظام في سورية. كان السوريون الآملين و النشطاء يتابعون شاشات التلفزيون بتشوق لسماع الإعلان عن رفع أميركا لدعمها للحكومة السورية عسى أن يكف النظام يده الحارقة عن المتظاهرين. عندها خرجت عليهم هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي لتعلن عن أمل أميركا في “تحسن تعامل” الرئيس الأسد و طالبته بأن يتبنى بعض الاصلاحات لأنه إن لم يقم بذلك فهو حتما على وشك فقدانه الشرعية. تخيل محمود بخيبة أمل شديدة أن مشروبات كلينتون و قهوتها كانت دُفِعت من أمواله التي دفعها. و كم لعنَ نفسه.
أما شبيحة الأسد فكانوا أيضا يتابعون بسعادة لهجة كلنتون اللطيفة و كم فرحوا عند انتهاء الخطاب ليباشروا فورا باستخدام ذخائرهم الإيرانية ليقتلوا المزيد من المتظاهرين السلميين في حمص و حماة و درعا. و لكنهم كانوا بحاجة إلى المزيد من القتلة فبادروا إلى سحب احتياطيي الخدمة الإلزامية و بشروهم بأن تخلص سورية من العصابات القاتلة إنما هو قادم على أيدي هؤلاء الشباب الغيورين على الوطن. أحد هؤلاء الشبان كان رامي من حلب الشهباء. و كان رامي شابا ساذجا و متلهفا على مساعدة سوريا على التخلص من المخربين.
ودَّعت أم رامي ابنها و هي تبكي دموعا سخينة خوفا على ابنها من القتل و لكن ممنيّة نفسها بحماية الله له لأنه مع الحق و هؤلاء هم الباطل إذ لا مكان لمسلحين إرهابيين في سورية الأسد و واجب كل فرد قتالهم. أم رامي كانت تعمل في سلك التدريس في إحدى القرى و لطالما علّمت تلاميذها كتبَ الوطنية شارحة لهم أن الدفاع عن الوطنِ هو الشرف الأكبرُ.
و لكن بعد أسبوع فتحت أم رامي الباب لتجدهُ شاحبا شحوب من رأى أشباح ووحوش. لقد أعطوه إذنا بالذهاب إلى المنزل على أساس إصابته و لكنّه كان متشوقا لترك القتال لأن روحه كانت قد أصيبت إصابة بليغة. لقد تحول الشاب إلى قاتل. قاتلٍ للأطفالِ. و بينما كان رامي ينشجُ بالبكاء اعترف لأمه بأنه كان مجبراٌ على قتل الأهالي العزَّلِ من أيِّ سلاح. انصاع رامي في البداية للأوامر و لكنه صار يطلق بندقيته كالمجنون في كل اتجاه و لا على التعيين. و في غمضة بصر و دون أن يدري قتلَ رامي سائق سرفيس كان يُقِلُّ أطفالا إلى بيوتهم مما أدى إلى قتل كل الأطفال الذين كانوا في السرفيس.
و لكن لا يزال رامي و أمه غير مدركين لحقيقة أن عادل ذو الأحد عشر سنة كان في الماضي تلميذَ أمِّ رامي. كان عادل طالبا مميزا و لمَّاحا. نعم… كم كان!
by: RamaPanorama
نفس القصة باللغة الانكليزية؟