سألت : من أنت ؟ أنا جاركن .. بصوت لطيف .. دافئ ..
فتحت باب بيتي لأواجه شخصا غريبا .. ملامح وجهه قاسية وكأنها قدت من صخر .. تغير صوته إلى .. أجش .. رفع سبابته اليمنى قريبا جدا من عينيّ … تحركت شفتيه بما يشبه دولابي طحن الزبيب .. الزيتون ..القمح ..ظهرت بعض أسنانه.. صفراء ..سوداء .. ولعابا أبيضا مقززا وصل بينهما وتقطع أثناء توجيه تهديده !!! شوف ولا … هل مرّة سماح .. تاني مرة .. شششش .. مع حركة من يده تشبه عملية الذبح إذ قرب كفه من رقبته وحزها بعنف .. .
كان نحيلا لكن عضلات ذراعيه كانت ضخمة .. على وجهه آثار جراح معمّرة .. بقايا ملتئمة لضربات سكاكين .. خناجر .. حدّق في عينيّ مباشرة .. بشراسة .. بتحد .. بصلف .. ثم قادني لأتابع حركة عينيه .. نظر إلى جزئه الأسفل .. هزّ جزعه بقوة .. تحرك شيء ثقيل داخل جيبه .. أدركت أنه مسدس ينتظرصاحبه بلهفة .. يناديه .. يستفزه .. يصرخ فيه : ماذا تنتظر .. هاوهو المجرم .. الخائن .. العميل … المرتشي .. أمير الجماعة .. عدو الممانعة .. أخرجني من جيبك العفن .. اضغط على زنادي .. دون توقف .. حتى ألفظ كل طلقاتي على وجهه .. عينيه الكذابتين اللتين توحيان بالطيبة .. فمه الذي يحرض على مولاه .. نحره الذي لاينحني لإلهنا .. قلبه الذي ينبض بالحقد والكراهية لأسياده وأولي نعمته .
كنت في لباس البيت أعزلا .. صرت إلى أعزل ومصدوم وحائر ومستغرب ومذهول !! لاأدري عن هذا الكائن أي شيء !! من هو ؟ من أرسله ولماذا؟ عم يتحدث ؟ وماذا يعني بعبارة : هل مرّة سماح ؟ أية مرّة ؟ لقد قضيت عمري أناضل الفساد والتسلط والعنف .. هي ليست مرّة بل آلاف المرات ..
لمّ جاء يحاسبني بعد أربعين سنة عن مرة واحدة فقط ؟ قلت له بحزم : من أنت بالضبط ؟ من أرسلك ؟ ماذا قصدت بكلامك ؟
نظر إلي بتحد .. واستخفاف .. شوف ولا إنتي بتعرف شو عامل .. وينك .. ماتكون الله .. بقتلك إنتي وولادك وبحسب الله ماخلقكن .. فهمت ؟ ولا عيد ؟
خطوتين إلى الوراء .. استدار .. خرج دون أن يغلق الباب خلفه .. مشى فى الحارة .. ساقين متباعدتين .. ظهر مستقيم .. ذراعين منفرجتين .. يمشي على مهل .. مسدسه غاضب في جيبه .. لايزال يصرخ .. يناديه .. يستغيث .. هو أيضا يستغيث بي لأنطق بكلمة .. أية كلمة حتى يتحد مع مسدسه في لحظة بالغة الإثارة .. طلقات .. صرخات .. سقوط مدو لعدو بغيض يتخبط ذليلا وسط دمائه .. نواح وذعر .. رجال ونساء وأطفال يهربون .. يصطدمون بالجدران ..يحتمون بالشجر.. بالسيارات المتوقفة… السيارات في الشارع تسرع إلى الأقصى .. الناس داخلها يخفضون رؤوسهم إلى أسفل .. لكنني آثرت الصمت .. وأنهيت المشهد على رجل مسلح يمضي تاركا فريسته قلقة مضطربة ..
ظلت عبارته: هل المرّة سماح .. سؤالا أبحث عن إجابته إلا أن وجدته.. وعرفت أنه كان يحاسبني ويهددني ويريد أن يقتلني ويقتل أولادي لأني وضعت مكان صورتي في موقع للتواصل الاجتماعي صورة طفل اعتقله أشباهه وقطعوه وشوهوه وأعادوه إلى أهله وطلبوا إليهم.. وسط صراخهم وبكائهم وفجيعتهم ..أن يصرحوا بأن العصابات المسلحة المجرمة هي من فعلت ذلك .. وكان اسم الطفل : حمزة الخطيب .
———————-
توفيق الحلاق