باولو الشامي
بعد المجازر التي تكررت بشكلٍ كبير في الأسابيع الأخيرة من قبل قوات النظام والتي استهدفت المدنيين بوحشية مفرطة، بات من المهم أن نطرح سؤالاً حول فائدة التسلح، وأن نقوم بمقارنة باتت ضرورية بين فوائد وأضرار التسلح، والتي يبدو الفرق بينها كبيراً جداً حتى اليوم.
مع بداية الانشقاقات وتجمعها لاحقاً تحت مسمى الجيش السوري الحر وقبله لواء الضباط الأحرار، كانت هذه الانشقاقات تلعب دوراً إعلامياً أكثر منه ميدانياً في كشف كذب النظام ووهن حججه التي يقدمها لقمع الانتفاضة السلمية، كما لعب دوراً في تسريب الكثير من المعلومات الهامة التي وضعت النظام في الكثير من المواقف المحرجة إعلامياً وسياسياً، ومعه حلفاؤه الإقليميين وعلى رأسهم ميليشيات حزب الله والنظام الإيراني.
تطورت بعد فترة مهمة هؤولاء المنشقين، وتغير اسمهم من مجرد منشقين إلى الجيش السوري الحر وباتت تظهر أسماء وفيديوهات كتائب تتوزع في المناطق الثائرة، وكانت المهمة التي يعلنونها هي حماية المدنيين من بطش النظام، وبالفعل تمكنوا من لعبِ دورٍ لا يمكن إنكاره في حماية الكثير من المظاهرات والحركات الاحتجاجية السلمية في ريف دمشق وأطرافها على سبيل المثال لا الحصر.
ولكن في الشهور الأخيرة، وخصوصاً بعد بدء ما سمي معركة تحرير دمشق قبيل رمضان وتلتها معركة حلب، بات الأمر مختلفاً تماماً، فقد أصبحت مهمة هذه الميليشيات المسلحة تحقيق هدف سياسي محدد، هو السيطرة على أكبر قدر ممكن من المناطق وإخراجها من سيطرة النظام تمهيداً للتمكن من إسقاط النظام عسكرياً، ولكن هنا طُرح السؤال القديم، هل نحن بالفعل قادرين على محاربة النظام بسلاحه؟ وكان الجواب الواضح من المستجدات الأخيرة هو: لا، لا لسنا قادرين، والأهم من ذلك هو أن اتجاه الجيش الحر نحو هذا الهدف جعله أو أجبره بشكلٍ أو بآخر التخلي عن هدفه الأساسي الذي كان مصدر مصداقيته ودعمه، وهو حماية المدنيين.
على الرغم من تمكن الجيش الحر وغيره من الميليشيات التي ما زالت هويتها مجهولة ولا نعرف عنها شيئاً سوى بيانات وفيديوهات تشكيلها من تحقيق بعض الانتصارات الهامة على الأرض كالسيطرة على قلب الكثير من المدن، وتحقيق خسائر فادحة للنظام للأسف تكون بشرية غالباً، إلا أنها تحمل نفس المشكلة التي كان يحملها حزب الله في حرب تموز، وهي قدرتهم على تحقيق خسائر في القوات المسلحة للعدو، ولكن انعدام القدرة على حماية المدنيين من هذا العدو نفسه، فبنفس السيناريو الذي حصل في تموز 2006، فإن ما يحصل اليوم هو تحقيق انتصارات محدودة تمنع النظام من فرض سيطرته على الكثير من المناطق التي يقال أن نسبتها بلغت 70% مع تخفظي على خيالية هذا الرقم، ولكن في الوقت نفسه يقابل هذه الانتصارات عمليات عسكرية واسعة معظمها عن بعد (قصف مدفعي – قصف جوي) تحصد مئات الأرواح من المدنيين لمجرد إقامتهم في مناطق كانت تأوي عناصر الجيش الحر، الأمر الذي عانى منه سكان الضاحية الجنوبية في لبنان، الذين دفعوا من أرواحهم حينها ثمن إيواء وسكن قيادات حزب الله في منطقتهم.
اليوم علينا أن نقوم بمراجعة حسابات لحجم التضحية البشرية التي نحن على استعدادٍ لتقديمها مقابل الحصول على الحرية، ولكن في الوقت نفسه علينا أن نكون حذرين، فهذه التضحية باعتقادي لا يجب أن تفرض على أحد، فعناصر الجيش الحر الذين يعلنون ليلاً نهاراً أنهم لا يمانعون الموت ليسوا في الغالب مَن يتحمل عقبات هذا الصراع المسلح، وغالباً ما يكون المدنيين الذين لا نعرف كم هم بالفعل مستعدين لتقديم حياتهم ضحية بطش النظام بعد انسحاب الجيش الحر من مناطقهم وتركهم فريسة سهلة بحجة الانسحاب التكتيكي الذي غالباً ما يخفي خلفه نفاذاً في الذخيرة.
على عكس سلمية الثورة في شهورها الأولى، التسلح ليس خياراً يوافق عليه الجميع، وعلى الرغم من ذلك فإن أنصار هذا الحل يجبرون الجميع – الرافضين والموافقين عليه – على تحمل تبعاته، ولا بد اليوم من مطالبة الجيش الحر الذي يقول أنه جزء أساسي من ثورة الكرامة بمراجعة حساباته كي لا يتسبب بشكلٍ أو بآخر بالقضاء على هذه الثورة التي أفرزت وجوده.