تعالت في اليومين الماضيين صيحات التكبير والتهليل على صفحات الإنترنت المؤيدة للثورة السورية لدى تواتر الأنباء الواردة من حمص والتي تحدثت عن مصرع العشرات من “الشبيحة” والجنود السوريين النظاميين على أيدي الجنود المنشقين الذين يدافعون عن بعض الأحياء من هجمات الجيش والأمن السوريين، أنا لست هنا بمعرض الحديث عن مشروعية عسكرة الثورة وتأثير ذلك على مسيرة الشعب السوري في نيل حريته واستقلاله من النظام القمعي الذي يحكمه، كما أنني لست هنا بمعرض التشكيك في حق هؤلاء الناس الذين يشعرون أن حياتهم مهددة بالخطر وبأن الوسيلة الوحيدة لحماية أنفسهم هي حمل السلاح، خصوصاً في ظل عجز المجتمع العربي والدولي عن كبح جماح آلة النظام القمعية، ولكن مع ذلك فأنا لا أرى أي مبررٍ للشعور بالفرح أو السرور لما حدث في حمص لأسباب سأبينها فيما يلي.
أولاً نحن لا نعلم بالضبط هوية هؤلاء الجنود الذين قتلوا في هذه المعركة، فربما كان بعضهم مجبرين على القتال لا مخيرين أو ربما كانوا مغرراً بهم، فقد سمعنا عن العشرات من الجنود السوريين الذين قتلوا لدى محاولتهم الفرار من الجيش أو لدى رفضهم الانصياع لأوامر إطلاق النار بعد أن اكتشفوا زيف ادعاءات النظام بوجود عصاباتٍ إرهابية، لا أدري ربما كان بعض هؤلاء القتلى أناساً وقعوا بين نارين: نار النظام ونار المقاومين، قد تكون السيناريوهات السابقة مجرد افتراضات من المستحيل الجزم بصحتها، ولكن من جهة أخرى أكاد أن أجزم بأن مقتل هؤلاء لم يهز شعرة واحدة في جسد بشار الأسد أو أي من حاشيته، فأنا أشك بأن أفراد تلك العصابة –من أمثال مخلوف وشاليش وغيرهم– الذين جنوا ثرواتهم من كد وتعب أبناء الشعب السوري ووطّدوا سلطانهم فوق أجساد شهداء وسجناء الرأي يمتلكون قلوباً قابلة لأن تشعر بالشفقة حتى تجاه جنودها المخلصين، فهؤلاء الجنود القتلى –حتى لو كانوا “شبيحة” يقاتلون عن قناعة كاملة في سبيل حكم آل الأسد وحاشيتهم– ليسوا إلا بيادق تهون التضحية بهم في لعبة البقاء في السلطة، لذا لا أدري أي فرحٍ يمكن أن يدخل قلبي لدى سماع أنباء مقتلهم إن كان أركان النظام الآمنين في قصورهم غير آبهين بمصيرهم، حتى في الدول الغربية التي تتغنى بحقوق الإنسان وكرامته نادراً ما عبّر سياسيوهم عن ندمهم أو حزنهم للتضحية بأبناء جلدتهم في حروبهم القذرة، ولدينا في جورج بوش الذي لم يظهر إلى الآن ذرة ندم على مقتل الآلاف من جنوده في العراق خير مثال.
بالإضافة إلى ذلك ألا يحق لنا أن نسأل الأسئلة التالية: هل جعل مقتل هؤلاء الجنود أهل حمص أكثر أمناً؟ هل باتت حرية الشعب السوري أدنى إليه بموتهم؟ هل يبدو مستقبل سوريا أكثر إشراقاً لدى مقتلهم؟ للأسف فالإجابة على الأسئلة السابقة هي “لا” في الأغلب، فحصيلة الشهداء الذين يقتلون في حمص بازديادٍ مضطرد على ما يبدو، كما أن النظام وبعد هذه الانتكاسة في أرض المعركة قد يلجاً ببساطة إلى تكثيف حملته الإجرامية ولديه من الوسائل والأسلحة الثقيلة ما لم يستخدمه بعد، كما أنني لا أفهم كيف يمكن أن يكون هدف الشعب السوري بإسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي يعيش الجميع في ظلّه أقرب إلى متناول اليد بعد أن فقدت عشرات العائلات السورية أبنائها وما يتبع ذلك من تأجيج لغرائز الحقد والثأر.
هكذا أحداث إن دلّت على شيء فإنما تدل على أن شبح الحرب الأهلية في سوريا قد اقترب، وفي الحرب الأهلية –كما نعلم– الخاسر الأكبر هو الوطن والشعب والعيش المشترك، ما أخشاه أن ننس الغاية الأساسية من ثورتنا –أي الحرية والدمقراطية– وننصرف إلى عد جثث القتلى الذين يسقطون من جنود النظام –المخلصين أو المجبرين– والانتشاء بالدماء التي تسفك منهم، فكثيراً ما تبدأ الحروب –تحديداً الأهلية منها– بسبب قضايا عادلة كمقاومة الظلم والاستبداد، ولكن دورة العنف وما يصحبها من إذكاء لغرائز الثأر والانتقام قد تنسي المقاتلين السبب الأساسي الذي حملوا السلاح من أجله لينصرفوا إلى قياس نجاحهم بعدد الرؤوس التي يحصدونها، وهذا ما حصل بالضبط في الجزائر حيث أدى قمع العسكر لجبهة الخلاص الإسلامية التي كانت على وشك الفوز في انتخابات عام 1992 الديمقراطية إلى اندلاع أعمال عنف انتهت بحرب أهلية دموية طويلة الأمد راح ضحيتها حوالي 200 ألف قتيل، لقد نسي الإسلاميون السبب الذي قاتلوا من أجله في البداية –أي حماية الديمقراطية والدفاع عنها– وتحول الكثير منهم إلى متطرفين غارقين حتى أذانهم في حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد، وفي النهاية خسروا دعم قسم كبير من الشعب وخسروا المعركة مع العسكر الذين مازالوا حتى الآن محتفظين بالسلطة في الجزائر.
رغم تعاطفي الشديد مع أهل حمص والجنود المنشقين فيها لما يتعرضوا له من جرائم همجية ورغم قناعتي بأن أغلبهم يرى في حمل السلاح الملاذ الأخير في الدفاع عن حياته، إلا أنني لا أرى في قتلهم للجنود الذين يحاولون الاعتداء عليهم أي أمرٍ باعثٍ على السرور، بل بالعكس مأساةً مؤلمة، قد أجد مبرراً لعمليات القتل هذه ولكنني لا أجد على الإطلاق أي مبررٍ للفرح بها.
—————
تعليق واحد
أنت سطحي ومنظر لدرجة الغثيان!! لكن لا تحزن يوجد من فصيلتك الكثير من مما يدعون المثقفين خاصة في دمشق عاصمة الملذات.
“لن”
أتمنى أن تعاني دمشق وحلب وبقية المدن الذليلة ما عانته حمص، أتمنى أن يحصل لكل هؤلاء المثقفين ما حصل لبقية الأحرار المادة المفضلة لديكم للتنظير، أتمنى أن يقتحموا بيوتكم وينتهكوا كل شيء وشخص فيه ويخطفون نسائكم ويعيدونهم محطمات جسديا ونفسيا ثم بعد ذلك أريد أن أراكم تحملون القلم وتكتبون مرة ثانية عما يجري……. هل ستكون كلماتكم مختلفة؟
مجرد فكرة وتنظير معاكسة لطرحك ……لا تخشى طبعا لا أتمنى ذلك فعليا لكن أحيانا يصور لي عقلي الباطني الحلول لتصحيح الأمور بطرق متطرفة لكنها ليس أكثر تطرفا من طرحك أنت وأمثالك الذين يعتنقون نظرية:
“من الأفضل أن تصور إمرأة تتعرض للإغتصاب لفضح الجاني على أن تتدخل لإنقاذها!”
تحية لك من حمص عاصمة الأحرار و الشرفاء.