أحمد أبازيد
كان جسداً غطّته شقوق التعذيب …. و لم يعترف
كانوا يعرفون مهمّته في أن يوصل السلاح، ولا ينتظرون إقراره بالتهمة، و إنّما أسماء و أماكن رفاقه … و جرّبوا عليه آخر منجزات الألم … و لم يعترف…
كانت زوجةً تسكن الخوف منذ اعتُقل، كانت فكرة المحقّق الأخيرة التي عرضها لرفاقه كي يقلّدوه
حين استدعوه، كان يعتقد أنّ حفلةً أخرى من الكهرباء سوف تشتعل بين فخذيه سيطفئها بأن يلجأ للآيات، ولكن واجهه أقصى الرعب، ذاك الذي كان يمثّل له أقصى الرحمة
كانت عاريةً …. و ليس بعيداً عنها مجنّد أشهر سلاحه المتأهّب لاقتحام جبهة الأعداء …
خيّروه، أن تعترف أو فاختبر جسدها في صورة جديدة ..
طلب ربعَ ساعة ليفكّر في زنزانته … أعادوه و حين عادوا إليه، كان عارياً من قميصه … و كان قميصُه مشدوداً يحمل رقبته نحو الموت … !
كان هذا ما أخبرني به قبل سنين أحد “خرّيجي تدمر” عن قصّة مقاتل إخوانيّ صلب العقيدة أيّام الثمانينات …
لم يكمل لي القصّة و يكشف لي إن كانت اغتُصبت الزوجة بعدها أم لا … ليس مهمّاً
ما نعرفه جميعاً أنّها اغتُصبت و ما زالت …
هذه حقيقة، ما زالت حتى اليوم الذي جُمع فيه معتقلو سجن اللاذقيّة قبل أسابيع في الباحة ليتفرّجوا على زوجة زميلهم الواقف متمزّقاً بينهم و هي بين أربعة أيدٍ تثبّت جسدها الذي يتقدّم إليه بطلٌ ممانع كي يُسقط الأعداء ….
نعم يا سادة … ليس فرقاً ما حصل بعد تلك الدقيقة التي سمعت فيها و هي ترتجف من برد الرعب : انتحر الكلب، ففي لحظتها سقطت فروق الحوادث على الروح …. هل قلتُ لحظتها ؟! ، لا بل قبل ذلك بكثير ، و بعد ذلك بكثير ، ما زالت منتهكة و دامية و فاقدةً لبعدها الشخصي ، لأنّها لم تكن اسماً وقتها ، و لا كانت اسماً قبل شهور حين كان الخطف في أحياء حمص و حماة يعني متعةَ عشراتٍ من حماة الوطن لا أنثى يعرفونها إلّا الرصاص ، و لم تكن اسماً حين ضُربت في الشوارع أمام المارّة المتفرّجين ، و لم تكن اسماً حين كانت الكهرباءُ لا الرضيعُ رفيقة ثديِها في المعتقلات , و لم تكن اسماً حين قطعت أميالاً سيراً على أمل النجاة من القصف لتقضي ساعاتها في استدرار شفقة الغرباء و عدّ الرمال أمام خيمة اللجوء …
لم تكن اسماً ، و لم تكن مجرّد امرأة سوريّة يقف تشقّقُ رأسها من الوجع في كلّ مساء للتذكّر على حدود جمجمتها وحدها .. لم تكن امرأة سوريّة كلّ امرأة انتُهكت روحها و دموعها و زغبُ جسدها المتوفّز خوفاً… لقد كانت “المرأة” … لا لم تكن هذا فقط …. لقد كانت : سوريا !
هذه الغريبة التي رفعت رأسها للمرّة الأولى بعد الدم الأوّل الذي غطّى عريَها … علينا كلّنا، مهما حصل، ألّا نعيد رأسها لعتمة الخضوع …