عندما بدأت الثورات في العالم العربي مع بداية عام 2011 كانت عيون الشعوب العربية ترقب باهتمام وأمل ثورات الشعوب الغاضبة وتقول: يا ليت بلدي تكون التالية. وبدأ طغاة العالم العربي يتحسسون رقابهم، ويتأكدون من جاهزيّة طائراتهم وإخلاص أعوانهم.
كان هذا ملحوظاً للجميع، ولكن النّظام السّوري لم يكن معنيّاً بالأمر فخلال الثورة المصريّة أجرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية مقابلة مع بشار الأسد وسألته ما إذا كان قلقاً من انتقال عدوى الثورة إلى سوريا. كانت الإجابة جاهزة طبعاً وجاء فيها أن الشعب السّوري ليس بينه وبين النظام الحاكم مشاكل خاصّة وأنه نظام مقاوم، وأن الشعب السوري –لا كما المصري- راضٍ عن السياسة الخارجيّة لسوريا، ولذلك سوريا ليست مصر وليست تونس وووو.
والدندنة بأن “النظام السوري نظام مقاوم” هي عادة اعتدناها وشعار سمعناه كثيراً من الداخل والخارج ولكن الثورة كشفت ما كان مستوراً وأعادت إلى الذاكرة ما كان قد غاب عنها. طبعاً يعلم الجميع أن هضبة الجولان وهي جزء عزيز من سوريا لا تزال ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويعلم الجميع أيضاً أن النظام السوري لم يفعل لاستردادها أكثر من “النّق” في المحافل و “التنديد” في اللقاءات. وإلى جانب ذلك كله لا يخفى على أي متابع للقضية أن أكثر حدود إسرائيل هدوءً واستقراراً هي حدودها مع سوريا وأن طلقة واحدة لم تطلق من بندقية سوريا منذ عام 1973. كل هذا وأكثر كان قد غاب عن ذاكرة الكثيرين بسبب بعبعة النظام السوري و جعجعته بالقضية الفلسطينية وكأنه حامي الحمى.
وكأن هذا لا يكفي حتى تأتي الأحداث الأخيرة بفضائح جديدة. فبعد بداية الانتفاضة السورية بقليل أتحفتنا وكالات الأنباء بأن النظام السوري بعث رسالة إلى واشنطن يعلن فيها أنه على استعداد لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل. سبحان الله!!
من كان النظام يريد أن يرضي بخطوة كهذه؟ وأين ذهبت الشعارات الطنّانة عن المقاومة والصمود؟
مرّ هذا الخبر من غير ضجيج كبير لأن الناس كانوا مشغولين بأنباء أعلى صوتاً وأشد دموية من داخل سوريا. ولكن “النظام المقاوم” أبى إلا أن يذكرنا به وبموقفه المخزي فقام رامي مخلوف – الوجه الاقتصادي للنظام الفاسد – ليصرّح على العلن ودون خجل أو مواربة بأن استقرار إسرائيل يعتمد على استقرار سوريا. وفجأة اكتشف الشعب السوري أن “نظامه المقاوم” هو السد المنيع في وجه اضطراب الأحوال في إسرائيل، وأن من يسهر في “النظام المقاوم” إنما يسهر لينام الإسرائيليون بسلام!! كان تصريحاً لا يفوق بوقاحته غيره من تصريحات النظام المتهاوي.
وعلى أي حال ليست هذه كل الحكاية، فعلى فرض أن النظام مقاوم أليس من حق أي عاقل أن يتساءل: هل كون النظام مقاوماً يبيح له إذلال شعبه وسفك دمائه وسرقة أمواله؟ وقبل هذا، يحق لنا أن نسأل: هل صحيح أن النظام السوري نظام مقاوم؟
لماذا تنسب صفة المقاومة إلى النظام؟ إننا إذا أردنا الإنصاف لزم أن نقول إنّ الشعب السوري هو شعب مقاوم ولولا تضحياته لما جاد النظام السوري بأكثر من كلمات وخطابات فارغة “لدعم” المقاومة والمقاومين.
من الذي يعاني تبعات العقوبات عندما تعاقب سوريا على موقفها الداعم للمقاومة؟ ومن الذي يجوع ويعرى عندما يحارب الاقتصاد السوري ويعزل لدفع فاتورة الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية؟
هل انقطع الخبز عن بيت الرئيس “المقاوم” عندما انقطع من بيوت السوريين؟ وهل اصطف رامي مخلوف على طوابير الرز والسكر عندما اجتاحت الأزمات الاقتصادية سوريا ليركع شعبها أمام الشبح الإسرائيلي؟ وهل جاع أرباب النظام السوري أو حرموا أبسط مقومات الحياة الكريمة بسبب الحصار المحكم الذي تعيشه سوريا؟
ثم هل قال أحد هؤلاء يوماً لولد من أولاده: لا نستطيع قضاء عطلة صيفية على البحر هذا العام، لقد دفعت كل ما ادخرت ضريبة لا أدري من أين تراكمت على رأسي! ولكن يا بابا لا تحزن، نحن ندفع من أجل أن يقوي جيشنا “الباسل” ويستمر نظامنا “البطل” في دعم القضية الفلسطينية؟
هل فُتِحَت بيوت – عفواً أقصد قصور- مسؤولينا لاستقبال العائلات اللبنانية التي نزحت خلال حرب الـ 2006؟ أم أن بيوت البسطاء من السوريين هي فقط التي تتسع لهؤلاء؟
ليس هناك جدوى من المزاودة على حساب القضية الفلسطينية .. ولم يعد مبرراً لأحد أن يبيع النظام السوري ويشتري باسم المقاومة والممانعة ..
إن الثورة المباركة لن تتخلى عن دعم فلسطين أبداً .. ولكن هذه الثورة نفسها لم تكشف فقط كذب وتزييف النظام الفاسد، بل كشفت أن السوريين أحوج ما يكونون للدعم في وجه نظام فاق بدمويته وقمعه العدو الإسرائيلي نفسه..
نعم .. فإسرائيل لا تفعل هذا بشعبها، أما تذكرون كيف شنت حرباً كاملة من أجل جندي أُسِر!
إن إحدى رسائل هذه الثورة هي أن السوري لا يقل قيمة ولا إنسانية ولا مواطنة عن أي أحد آخر من بني آدم .. من أجل ذلك وأيضاً من أجل فلسطين والمقاومة … الشعب يريد إسقاط النظام!
—————————–
بقلم: Kalemat Haq