نسي الجميع، بغض النظر عن الجانب الذي اتخذوه وعن الرأي الذي صدحو به أو أخفوه، أن سوريا كانت واقعة تحت ظلم جماعة من أهلها عبرت الطوائف والأديان والأعراق والمناطق، عاثت فيها فساداً وكانت فوق القانون، سرقت واغتنت واستغلت السلطة أسوأ استغلال، وعاشت كالملوك بينما يرزح باقي الشعب تحت نير الفقر والجهل والتخلف والألم الصامت
نسي الجميع أن هذه الجماعة تمكنت مما تمكنت منه لأن الشعب كان خانعاً ذليلاً، فكما تكونون يولى عليكم
ونسي الجميع أن الشعب كسر نير الخوف والذل بغير رجعة، وأن نهاية الظلم باتت وشيكة، وأن طعم الحرية والكرامة لا يمكن الرجوع عنه
أما بعد
من الطبيعي أن تتكالب الدول، جارة كانت أم بعيدة، لتستغل الكركبة الحاصلة في سوريا وتثبت أقدامها في المنطقة وتحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب، ومن الطبيعي أن يستغل الأعداء الاستراتيجيون لسوريا ضعفها في هذه الأيام ليحصلو على تنازلات وغنائم عصيت عليهم لسنين طويلة. هذه هي لعبة الأمم، فهي ليست طارئاً مفاجئاً ولا جديد فيها، بل علينا التعايش معها والتحايل عليها والمشاركة فيها بمكر وبراعة
إلا أن المستغرب في هذه الأيام هو أن ينسى، أو يتناسى أو يتجاهل، الجميع أن سوريا هي أرض وشعب، وأن علينا جميعاً أن نحارب الظلم الواقع على أرضنا وشعبنا وسوريتنا أياً كان صاحبه
النظام القمعي الأمني الفاسد هو عدو سوريا
ومغتصب الأرض والحقوق هو عدو سوريا
والمتطرف والإرهابي والعنصري الذي يفاضل بين أبناء الشعب السوري تبعاً للدين أو العرق أو الطائفة هو عدو سوريا
والعادات والتقاليد البائدة المتخلفة اللي تكبل شعبنا وتقيد عقله وإبداعه هي عدوة سوريا
والدول التي تحاول استغلال ما يحدث اليوم بأية طريقة هي عدوة سوريا
المستغرب هو أن يفاضل البعض بين هؤلاء الأعداء فيختار عدواً على حساب عدو آخر، مبررين ذلك لمن حولهم أو حتى لأنفسهم بأن النظام القمعي الأمني الفاسد أفضل من التطرف والإرهاب، أو أن الدول التي تحاول استغلال ما يحدث اليوم هي بأي حال من الأحوال أفضل من النظام القمعي الفاسد، أو غيرها من المبررات التي تفتقر لأدنى درجات المنطق أو الأخلاق أو المعرفة، ولن تنتج إلا المزيد من الأسى لسوريا والسوريين
التخلص من النظام القمعي الأمني الفاسد لا يتناقض مع النضال لتحرير الأرض واسترداد الحقوق، ولا مع المساواة بين جميع السوريين على أساس المواطنة والقانون، ولا مع تحرير العقول وتفعيل المجتمع وتطويره، ولا مع حماية السيادة الوطنية وصون الحقوق في الميدان الدولي. بل على العكس تماماً، إذ لا يمكن محاربة واحد من هؤلاء الأعداء دون محاربة البقية في نفس الوقت
أما ما يثير أشد الاستغراب فهو أن قلة من السوريين هي التي تسعى باتجاه مستقبل يضمن الكرامة والحرية لسوريا بأرضها وشعبها ويدفع عنها في الوقت نفسه أذى الأعداء كلهم أياً كان مصدره. تعددت الطرق نحو المستقبل المشرق الذي يحمل في طياته التقدم والازدهار لسوريا والسوريين، إلا أن هذه الطرق ما زالت تنتظر من يخطو فيها، بينما ينشغل الجميع في المفاضلة بين خيارات أحلاها شديد المرارة