محمد دندشي
في نوبة الحرس سمعت من بعض أعضاء مجموعتنا أنه يتم التحضير لمعركة كبيرة في الليل و يتم التنسيق ووضع أسماء المشاركين في المعركة، غلبني الحماس و لم أستطع أن أخفي سعادتي، و بنفس الوقت قلقي من عدم خروجي إلى المعركة فقد تم اختيار الأسماء المشاركة في كل منطقة و قلقت من أن يضعوني حرس أو تغطية لأنني أريد أن يضعوني في فرقة الاقتحامات أو الكمين، انتهت نوبتي الحرس و ذهبت إلى الملجئ الذي نعده، منزل وهو مكان آمن لا يطاله القصف. وصلت إلى المنزل فناداني قائد مجموعتنا إلى الاجتماع و كان قد وزع الأسماء ووضعني في منطقة لا أعرف عنها أي شيئ فعارضت، و أخبرته أني أعرف المنطقة التي سوف يذهبون إليها وينصبون الكمين فيها.
قالو لي أني (جديد ) ولا أستطيع المشي كل تلك المسافة إلى الكمين الذي يخططون له، لكنني عارضت و أخبرته أني ابن المنطقة وأعرف تقريبا كل طريق و كل حجر في الطريق، طبعا بعد قليل وافق على ذهابي و قالوا لنا أن نرتدي الملابس السوداء، ووضع قبعات شتوية سوداء و ذلك لنستطيع تمييز بعضنا. ارتديت ملابسي وكان علي مهمة توزيع الذخيرة قبل أن نتجه إلى المعركة. قسمنا إلى حوالي خمسة مجموعات وتم فرز كل مجموعة إلى منطقة واتجهنا إلى موقع (الكمين). استغرقت الرحلة إلى المكان المخصص (للكمين) حوالي الساعتان و النصف. كنا نمشي في الجبال و نحمل السلاح والجعب بالإضافة إلى العبوات الناسفة التي كانت ثقيلة و كان عددها اثنتان و حشوات الار بي جي.
على الطريق قمنا بمداهمة جميع المباني التي في طريقنا و نشرنا بعض أفراد المجموعة في تلك المباني للتغطية على الكمين ومن ثم أكملنا طريقنا إلى المكان المخصص وعند وصولنا تمركز كل فرد في مكان آمن نسمية (الساتر) لكي نحصن نفسنا عند إطلاق النار منا وعلينا.
بدأت المعركة بإطلاق النار من الشيلكا التي كنا قد حصلنا عليها كأحدى الغنائم من الجيش الأسدي بأتجاه حاجز أبو زيد و كان بعيداً عنا لأننا كنا في (الكمين) بعدها بدأنا نسمع إطلاق النار من جميع المحاور إلا من المكان الذي تمركزنا فيه، كنا نسمع إطلاق النار و اصوات باقي المجموعات ومجموعتنا يتكلمون على الجهاز المخصص للاتصال أول شيئ سمعته غطو لنا ….. هنالك قناص في الطابق الثاني ….. لا تدعوه يدخل إلى الدبابة …. مصاب مصاب غطوا لنا كي نسعفه ….الخ
حتى ذلك الوقت لم نطلق أي رصاصة و كانت الدماء تغلي في عروقنا لنعرف الأخبار ومالذي حصل و فجأ أتى رتل من السيارات ثلاثة سيارات قالو لنا لا تطلقو النار عليهم مدنيين لم نطلق النار و كانت السيارات مسرعة جداً ثم أتت ثلاثة سيارات أخرى قالوا لنا على جهاز: شبيحة شبيحة أطلقو النار… قمنا بإطلاق النار حتى انتهى اول مشط من بندقيتي وقمت بتبديله بسرعة لا أدري كيف قمت بتبديله بتلك السرعة، لقد مرت السيارت وأصيب من كان بها إلا السائقين لأننا كنا قد تمركزنا في الجهة المقابلة لجهة السائق كنت أرى شرارة النار تخرج من السيارات عندما كان الرصاص يصيبها، أكملت السيارات طريقها بعد أن ثقبت الإطارات و كسر الزجاج، و لم أستطع أن أرى إذا كنت قد أصبت أحدهم أو لا ولكن أحد العناصر كان قد رأى الإصابات وكان قريباً من الحاجز لكي يراقب الحركة، وبعد قليل سمعنا هدير الدبابات، كان الصوت بعيداً ثم اقترب حتى أصبح في القرية القريبة من الحاجز، توقفت الدبابات و كان قد قال لنا المراقب أنه هنالك أربع دبابات في القرية.
اتخذو القرية درعاً لهم و لكنهم أرادو التقدم إلى الأمام، تقدمت إحدى الدبابات التي تسمى الـ (بي إم بي) وفي مقدمتها كان هنالك حوالي الثلاثون عنصر من الجيش و الشبيحة لكي يقوموا بتمشيط في المنطقة التي تم اطلاق النار منها على السيارات، وقفنا بأنتظار اقتراب الدبابات إلى المكان الخصص الذي قمنا بزرع عبوتين ناسفتين فيه، في ذلك الوقت كنت قد غيرت مكاني إلى مكان آخر أقرب، وذلك للقضاء على ما سوف يتبقى من الشبيحة بعد انفجار العبوة كانت الثواني متل الساعات ثم فجأة سمعت على الجهاز “لم تنفجر العبوة الأولى قال له لا تقوموا بأي حركة حتى تصبح الدبابة في مرمى العبوة الثانية ” ثم انتظرنا حوالي النصف دقيقة كنا ندعي فيها و نقول الله اكبر الله اكبر “و طبعا بصوت خافت كي لا يسمعنا الشبيحة ويحددون مكاننا لم تنفجر العبوة الثانية سمعت تلك الجملة من الجهاز حاولت أن أخفي قلقي قمنا بتحضير أنفسنا إلى الأسوء قد نحاصر الآن في تلك النقطة ،وإن أصيب أحدنا لن نسطيع أن نسعفه لبعد المسافة ووعورة الطريق ثم في خطوة جريئة قام أحد أفراد وهو رامي قاذف بضرب حشوة (ار بي جي) إلى الدبابة، و شاهدت في تلك اللحظة شرارة النار من الدبابة لقد قمنا بعطب الدبابة و إصابة العديد من الجنود الذين كانوا يمشون في مقدمتها للقيام بعملية التمشيط ، تحول القلق إلى فرح شديد و حماس بدأنا بأطلاق النار، لقد فجرنا دبابة و قتلنا أغلب الفريق الذي كان يقوم بالتمشيط امامها، سمعنا أصواتهم يكفرون ويسبون ويتألمون سمعتهم يقولون ( لك تعا شيلين ايلي تعو شيلوين في تنين تحت الشارع) و من ثم بدأت الشيلكا بالضرب بأتجاهنا فقمنا بالذهاب الى الساتر الترابي و اتت احدى الاليات في نفس الوقت لتقوم بسحب الجثث استغرقت عملية سحب الجثث حوالي النصف ساعة لم نستطيع فيها ان نرفع رؤسنا فالشيلكا كانت تطلق النار على ارتفاع منخفض جداً لا أدري كيف مع أنها مخصصة للدفاع الجوي ولكن أعتقد أنه تم تثبيت الشيلكا بسبطانتين على (بيك أب) وتعديلها، قاموا بسحب الجثث استقبنا اتصال قاموا بأعطائنا تردد الجيش على الجهاز ادخلنا التردد وبدأنا بالانصات الى الجهاز لم افهم معظم كلامهم و لكن ذكرت بعض الرموز كـ شبل واحد وعقاب اثنان ……..
لقد فهمنا من الحديث انهم سوف ينسحبون من الحاجز حتى الصباح لكي يعودون ليقضوا علينا كانت الساعة حوالي الـ 3:30 صباحاً و بقي على بزوغ الفجر حوالي الساعة والنصف، اتصلنا بالمجموعة في حاجز أبو زيد قالوا لنا بالحرف الواحد: لقد سيطرنا على الحاجز و سيطرنا على الحاجز الثاني، ونحن قادمون… انتظرنا حوالي النصف ساعة لم يأتي أحد لقد قامت الدبابات التي انسحبت من المنطقة و غيرت طريقها إلى طريق آخر يمر في مناطق مؤيدة للنظام و التفت حولهم و قامت بردعهم لقد أيقنا في تلك اللحظة أننا لقد حوصرنا، و قمنا بالانبطاح على الساتر الترابي، وبدأنا بالتفكير لم يبقى معنا إلا القليل من الذخيرة و حشوتين قاذف، قمنا بطلب حشوات ولكنها وصلت متأخرة بعد ان انسحبت باقي الدبابات و سحبت الدبابة المعطوبة معها ثم فجأة سمعت صوت حركة على الأشجار من فوقنا لقد بدأ المطر بالهطول و بغزارة شديدة لم استوعب الأمر في البداية… قال لنا قائد المجموعة إذا بزغ الفجر علينا لن نستطيع الاحتماء بأي مكان و سوف نقتل، فقررنا العودة إلى أبو زيد لمؤازرة المجموعة صعدنا إلى الجبل مرة أخرى، كان طريق العودة صعوداً في الجبال و المطر يهطل بغزارة شديدة وقد تبللت ملابسنا و بنادقنا و تضاعف وزنها على طول الطريق لم أشعر بالتعب لأن الفرح كان يغمرني فقد قمنا بمهمتنا لقد ردعنا الرتل المتجه إلى حاجز أبو زيد و قتلنا عدد كبير من الشبيحة و الجنود بالإضافة إلى تدمير دبابة (بي ام بي) حاملة للجنود، وصلنا إلى أبو زيد، كان أفراد الفريق قد سيطرو عليه وقاموا بتدمير دبابتين ثم اتجهنا مسرعين الى المشفى الميداني حيث سمعنا بعدد من الإصابات مع شهداء…
وصلت إلى المشفى الميداني سلمت بندقيتي إلى أحد أعضاء مجموعتنا و قلت له حررها ملقمة، و ذهبت لأرى الشهداء قالوا استشهد خالد لم أشعر بالحزن أو الفرح لم أشعر بشيء أبدا شاهدت وجهه الملائكي وعيناه الخضراء و كان مبتسماً بعد أن استشهد برصاصة في الرأس، ثم الشهيد الثاني وهوى جارنا في المنزل في المنطقة التي نقيم بها حالياً ثم شاهدت المصابين جميعهم و ذهبت إلى المنزل ولم أستطيع التفكير بشيئ قمت بتبديل ملابسي وطهو بعض الطعام لأننا لم نأكل أي شيئ.. ثم جلسنا نتكلم مع أعضاء مجموعتنا مع الابتسامة الواضحة على وجه الجميع حتى مع وجود شهيد من مجموعتنا .
حصيلة المعركة مع الكمائن كانت تدمير 3 دبابات و 5 سيارات شبيحة مع عتادهم و لم نعرف عدد الشبيحة الذين قتلو في ذلك اليوم ولكن وصلنا من أحد الأفراد من عناصرنا المندسين في النظام أكثر من 100 شبيح و السيطرة على 3 حواجز وغنائم عديدة.. بعد عدة أيام سمعنا من مصادر لنا في أحد المشافي القريبة أنه أصيب في رتل السيارات التي قمنا بضربها شبيح اسمه بشر يازجي و شبيح آخر اسمه أبو عيطة و اصابتهما خطيرة ويعد بشر رئيس الشبيحة في المنطقة وهو يسيطر على ما يسمى القصر الذي يقوم بقصفنا يومياً بالشيلكا وما أكد لنا ان بشر قد أصيب بعد الضربة أنه قد تعرضنا لقصف عنيف بعد أن قمنا بالعملية و وبشكل غير اعتيادي..
الحمد لله تعد العملية من العمليات الناجحة جداً في المنطقة.
وقد قمت بأرفاق صورة الشاب خالد صديقي الذي استشهد في المعركة.
تعليق واحد
تنبيه: يومياتي في الجيش السوري الحر – معركة « مختارات من الثورة السورية