ابراهيم العلبي
أستغرب من هذا الإشكال و الخلاف حول تحديد اليوم الذي انطلقت فيه الثورة المباركة في سوريا …
من يقرأ و يتابع هذا الخلاف و المعارك التي تدور بسببه يعتقد جازماً بأن الشعب السوري بمجموعه كان عديم الإحساس بألم واقعه الممتد منذ ما يزيد على الأربعين عاماً، و لا يستحق الكرامة التي سلبت منه على مدار تلك الأعوام، و الحال أن هذا الكلام أقل من إقامة الدليل على بطلانه …
الثورة السورية بدأت بجملة إرهاصات، بعضها سبق الثورة بشهور و ربما اسابيع، و بعضها سبق الثورة بسنوات بحراك سياسي محموم، و بعضها رافق الأيام الأولى لاغتصاب النظام الأسدي للسلطة، و ما انتفاضة الدستور في السبعينات ثم ملحمة الثمانينات إلا شكلاً أولياً من أشكال رفض شعبي و مخاض ثورة مزمن ..
ليس بالإمكان، فضلاً عن أنه لا يجوز، إنكار دلالة و رمزية اليوم الذي خرجت فيه أولى مظاهرات كل المحافظات السورية، فمظاهرة الحريقة في دمشق في 28 شباط عام 2001 لها رمزيتها في تحدي النظام في عقر داره، و لمظاهرات الأكراد في في بدايات شهر آذار التي أعلنت للمرة الأولى مطالبتها بحقوق وطنية عامة لا تخص الأكراد وحدهم، دلالتها أيضاً مبشرة بانبعاث الروح الوطنية فوق ركام التفرقة و الشتات المتعمدين لعقود خلت، و لمظاهرة جامع خالد بن الوليد في حمص في 11 آذار وقعها الخاص إذ عكرت على العصابة خططها و أفسدت عليها حلمها، و لمظاهرة الحميدية في 15 آذار ثم اعتصام أمهات المعتقلين في اليوم التالي قرب وزارة الداخلية أثر كبير في لفت الانتباه العام محلي و دولياً لما يجري على التراب السوري من مخاضات هنا و هناك تنذر بوقوع الانفار الذي لطالما سكك كثيرون في إمكانية وقوعه.
و لكن، و بكل تأكيد، هالنا جميعاً ذلك اليوم الذي ارتقى فيه أول شهداء الثورة في درعا التي خرج الآلاف من أبنائها تحتج على جرائم النظام التي بلغت حد تعذيب أطفال درعا بكل وحشية. إن لذلك اليوم رمزية خاصة جداً، فهو يوم دخل التاريخ من أوسع أبوابه و أدخل الشعب السوري كذلك في تاريخ الشعوب الثائرة كحدث مجلجل لا يمكن على الإطلاق المرور عليه سريعاً في ذكراه السنوية .
لا يتوهمن أحد بأن الثورة السورية التاريخية قد انطلقت في يوم محدد فيقدسه ! كمن يتهم الشعب السوري بأنه كان يقدس قيد المهانة و القهر الذي كان مكبلاً به حتى قرر أن يكسره فجأة، و من غير سابق تفكير، و ليعلم من يهمه الأمر أن دماء الكرامة لم تزل تجري في عروق السوريين، و ما فتئت تغلي و تنبض بها قلوبهم و تفيض بها أقلامهم، و تمتاز بها معاملاتهم …
نعم إنها الثورة التي حطمت كل القيود، و كسرت كل الإرادات، فليحذر الذين يتنشقون عبيرها و يشربون من معينها أن يركنوا لقيود ورثناها عن نظام آفل، أو أن يلجوا تلك المتاهات التي أريد لها أن تضيع هذه الثورة فيها فتضل عن غايتها، و هي التي ستصل بإذن الله، و تنجز ما بشرت به، شاء من شاء و أبى من أبى ..