المنبه يرن للمرة العاشرة ربما… أفتح عيني بصعوبة بعد ليلة أحلم فيها – كعادتي في الأشهر الأخيرة – بهتافات، وصور متلاحقة، مدماة أحياناً… يلزمني بعض الوقت كي أذكر من أنا، ماذا أفعل في هذا العالم، وأين كنت البارحة… آه، كنا في ركن الدين نشيع شهيداً آخر…حاولنا أن تعلو أصواتنا على أصوات الاحتفالات في باب توما ولا أعلم إن كنا قد نجحنا في ذلك…
أنهض… أغسل وجهي وأنظف أسناني… أحياناً أجد صعوبة في التعرف على وجهي المتعب في المرآة… وكعادتي كل صباح، أبتسم له وأقول: “يلا هانت، قربت”… أستمر في الابتسام لدقائق بكل بلاهة، ثم أصحو لأتذكر أن علي الذهاب إلى العمل…
يوم عمل عادي، لا يختلف عن غيره من الأيام… أحاول جاهدة أن أركز في عملي وأنسى الأخبار والفيديوهات التي تنتشر كل لحظة… أخرج من العمل منهكة وأتجه إلى موعد في “كافيه” بأبو رمانة… ربما هي المرة الأولى منذ بدء الثورة التي سأقابل فيها أناساً لا أعلم شيئاً عن اتجاهاتهم السياسية، سأقابلهم فقط بهدف العمل… منذ بدء الثورة أصبحت السياسة غذائنا اليومي… نستيقظ وننام على الأخبار… ربما تكون دمشق المدينة النائمة حتى الآن، لكن أهل دمشق ليسوا نائمين… أهل دمشق ثاروا منذ زمن، يختنقون لكنهم ثاروا، يواجهون حصاراً أمنياً لا مهرب منه لكنهم يثورون كل يوم، بأفكارهم، بأحاديثهم، بمظاهراتهم الطيارة، بمناشيرهم… يتسللون إلى الأرياف كي يخرجوا في المظاهرات بحرية أكبر، وعندما تحتدم نقاشاتهم، يخسرون بعضاً من أصدقائهم بكل ألم… وعلى الطرف الآخر هناك أهل دمشق، يجلسون الآن في المقهى حولي، لا يعيرون اهتماماً لما يحدث خارج دائرتهم… وهناك أهل دمشق الذين ملوا الثورة، “كسرو الدف وبطلو الثورة” كما قرأت لأحدهم منذ يومين… أنظر حولي وأتساءل: “ترانا نصادر حرية غيرنا بثورتنا؟”… لقد عشنا كل حياتنا ونحن لم نعتد على سماع صوتنا حتى، فكيف سنسمع الآن صوتنا، وآلاف الأصوات الأخرى؟… لا جواب…
أخرج من المقهى، تستقبلني نسمات أيلول الحزينة… أرتمي في شوارع دمشق، أنظر لوجوه الناس وأفكر: من هم؟ ما توجهاتهم؟ هم نفس الناس الذين عشت معهم عشرات السنين، لكن وجوههم اليوم مختلفة… أمر بجانب روتانا كافيه وأفكر: هنا خرجت مظاهرة منذ حوالي الشهر، واتهموا السفير الأمريكي بتحريض الناس عليها أثناء واحدة من مغامراته الغرامية… أضحك في سري، فرغم كل الألم الذي نعيشه، هناك من النكات ما سيضحكنا لسنين طويلة قادمة… أحياناً أتخيل نفسي امرأة عجوز، أجلس في أمسية شتوية بجانب المدفأة، وأحكي لأطفال العائلة الصغار عن أيام الثورة، كيف تحدينا كل هذه القسوة، كيف ضحكنا مع الحماصنة في أروع لحظاتهم، كيف بكينا، وصلينا… وانتصرنا…
استقل سيارة أجرة كي أعود إلى المنزل، يغمرني عشق لكل تفاصيل هذه المدينة: باعتها المتجولون، أشجارها، يد رجل عجوز تستلقي على حافة النافذة في الباص، أضحك إذ أرى لافتة تقول: “الحوار الوطني هو الطريق الوحيد نحو دولة ديمقراطية”… أتذكر كل أصدقائنا المعتقلين، والشهداء.. وأمسح دمعة تكاد تنهمر…
دمشق ليست نائمة، دمشق تشتعل بالثورة ولكن قواديها كثر، يشوهون وجهها الجميل، وهي تحاربهم بكل ما لها من قوة…
دمشق ستنتصر لأنها أجمل وأطهر منهم… لأنها دمشق…
——————-
فتاة دمشقية
تعليقان
this is very touching… our sad reality! a lot of times, I wonder… how would I have reacted to this revolution had I still lived in Damascus? How would I have reacted to all the non–sense that the Syrian State TV broadcasts everyday? What would be my reply to those people that are still living in denial and keep babbling “It’s not as bad as the news channels portrays it”? I have always been proud of being “Dimashqi” and I still am, but honestly, sometimes I feel like damascenes have let down their brothers and sisters in other parts of our beloved Syria. then I sit wonder: What would I be doing and how would I have reacted had I lived in Damascus? I just hope that we get rid of the selfish ideology and realize that this is a nation-wide issue… we all have to take part in this. I understand that the security pressure is immensely vast on cities like damascus and Aleppo, but there has to be a way out. there has to be a solution and a way to breakthrough all the silence that has darkened the way we look at each other. the way we look at ourselves in the mirror.
Keep smiling ya ahrar and may God bless you and this epic revolution! you are writing history and history will be written very soon, insha’allah! f
حبيتا كتيييييييييييييييييركتير كتير. يا رب يكون في أمل الكل يصحى سوا و أهم شي قبل فوات الأوان