مصطفى أبازيد
——————–
من هنا كانت الشرارة .. من هنا كان البدء .
ليست مصادفة أن يأتي تاريخ الثورة في الربيع . فصل التجدد و البعث . ففيه تزهر القلوب و تشتعل بثورة الحياة .
درعا أم اليتامى . المتربعة على سهل الخير و الكرم . كانت تضع مولودها في عهدة تراب هذا الوطن .
خرجت الناس تصيح بصوت واحد للحريّة .. شقّت عصا الطاعة . بصدرها المفتوح العاري . تتنشق نسمات التحرر والإنعتاق .
قدمّت درعا أطهر أبنائها قرابين على مذبح الحريّة . لتكون الثورة عروساً تزّف لنصرها المحتوم .
لم تهدأ درعا ولم تستكين و كانت ترفع رايات الثبات و الصبر .. حتى سمع صوتها كل حر في الوطن فخرج ولبى النداء , و أيقظت رائحة الموت المنبعثة من شوارعها كلّ نائم من سباته العميق .
ولكنهم يعلنون الاحتفال بذكرى الثورة في يوم آخر . في يوم كانت سوريا ما تزال تنتظر المولود القادم .
ذاكرة الوطن تستحضر تاريخهم صوراً غير واضحة , لشباب تحدّوا الخوف في وسط عاصمة الخوف لكنهم لم يشعلوا ثورة تمتد إلى ساحاتها و تيقظها من بين الأموات .
لا تستطيع الذاكرة الجريحة أن تخفي حدث الولادة , أو أن تسجّل فوقه حدث أول صرخات مخاضها العابرة , ولا تستطيع أن تمرّ على حسام عيّاش و محمود جوابرة اللذان استشهدا بعد ربع ساعة على ميلاد الثورة دون أن تقف برهة من الزمن , و تعلنها بداية البدايات , و نقطة اللاعودة .
من هنا بدأ الربيع , من هنا كانت الإنطلاقة , من جذور سهل حوران الضاربة في أعماق التاريخ .
هنا ولدت سوريتنا .. و من صرخات ولادتها بدأت القيامة بعد الصلب .
لكم 15 آذاركم , ولي 18 آذاري فإتركوني وحيداً أناجي قبور من رحلوا , أمسح دموع المسجد العمري و أتأمل صور الشهداء في ساحة الكرامة يخبرونني كم هو غالٍ ثمن الحريّة .
هنا كانت ولادتي .. و من هنا ولدت سوريتي .
ثورة 18 آذار … معجزة القرن .