المفارقة ما بين ردود اﻷفعال على تفجيرات بوسطن الارهابية اﻷخيرة وعلى مجازر السوريين تختصر تردي الوضع العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص.
في “بوسطن” انفجرت “طنجرة ضغط” فقام العالم ولم يقعد، شاشات التلفزة المنافقة بما فيها تلك التي تتباكى على الضحايا العرب قطعت برامجها وانتقلت، بقضها وقضيضها وبمراسليها ونشرات أنبائها الاستثنائية، للتفرغ لنقل وقائع “مذبحة” بوسطن في بث حي ومباشر لايقدم ولا يؤخر، في تباك مزر وانبطاح أمام العم سام ورغبة محمومة في التعبير عن “التضامن مع الشعب اﻷمريكي في محنته وتقديم أحر التعازي ﻷهالي الضحايا اﻷبرياء الثلاثة الذين قضوا على يد الغدر، متمنية الشفاء العاجل للجرحى”. علما أن هؤلاء كلهم وجدوا مشافي تعتني بهم ولم يتركوا للموت على قارعة الطريق.
ألف محقق من مكتب التحقيقات الفيدرالي تفرغوا تماماً للتحقيق في المجزرة النكراء وللبحث عن الفاعلين أيا كانوا وأينما كانوا. العالم كله يحبس أنفاسه في انتظار نتيجة التحقيق. الرئيس اﻷسمر بجلالة قدره قطع جدول أعماله وسينتقل لبوسطن من أجل أن يعزي أسر الضحايا وليؤكد وقوف اﻹدارة اﻷمريكية واﻷمة كلها ٳلى جانب المدينة المنكوبة.
السيد “اوباما” لم يقل “ٳن أيام اﻹرهابيين صارت معدودة” ولا أصدر تصريحات أن “على اﻹرهابيين أن يرحلوا”.. ولم يرسل “جون كيري” لا ٳلى “جنيف” ولا ٳلى “موسكو”. المسألة تتعلق بأمريكيين هذه المرة، ببشر عن حق وحقيق، لا بأنصاف بشر وليس في اﻷمر مزاح حين يسيل دم “أزرق” أوربي أو أمريكي أو يهودي…الدم العربي والسوري أرخص من الماء، ليس فقط لدى قاطن البيت اﻷبيض بل لدى كل قاطني “البيوت البيض” في الدول المجاورة لسورية بما فيها تلك التي “تصرعنا” بالعروبة وحتى “باﻷخوة في الدين”.
لا أنوي التقليل من فجيعة أهل ضحايا بوسطن ولا ٳيجاد أي مبرر لمن قام بهذه الفعلة النكراء، فالدم البشري واحد في بوسطن وغيرها، الضحايا البشرية هي نفس الضحايا البريئة في أمريكا وأوربا وحتى في روسيا والقدس المحتلة..لا شيء يبرر القتل العشوائي للمدنيين ولاقضية على اﻹطلاق تسمح للمدافع عنها بسفك الدماء البريئة.
لكن الدم السوري، أيضاً، له حرمة، مثله مثل أي دم آخر…كسوري، فبالنسبة لي كل الدماء غالية وخاصة دم السوريين…
كيف لنا كسوريين أن نبكي ضحايا “بوسطن” وأن نتناسى أن هذه اﻹدارة اﻷمريكية متواطئة بشكل ٳجرامي في سفك دماء مئات الآلاف من السوريين ؟ هل نقدم التعازي لمن لا يبالي بسقوط أكثر من مئتي سوري يومياً ؟ وهل قدم الرئيس اﻷسمر تعازيه ولو لسوري واحد ؟
كيف لي أن أتضامن مع ضحايا “طنجرة” في بوسطن، حين تتساقط البراميل المتفجرة بالمئات وصواريخ سكود بالعشرات ناهيك عن كل أنواع القذائف المحرمة والمسموحة على رؤوس أطفال بلادي، دون أن يرف جفن “العالم المتحضر”؟
أي عالم منافق هذا الذي يبكي على ضحايا أبرياء في بوسطن، ويزدري عشرات الآلاف من الضحايا الذين لايقلون براءة والذين يسقطون يومياً بيد المحتل اﻷسدي اﻹيراني وبسلاح يقدمه العدو الروسي وفي ظل تواطؤ أمريكي مجرم ؟
من أجل “طنجرة ضغط” في بوسطن، جردت الولايات المتحدة اﻷمريكية ألف محقق ومن أجل السلاح الكيماوي الذي يبيد السوريين؟…لا أحد…لا أحد يبالي.
حزنت من أجل ضحايا بوسطن، كما حزنت وأحزن من أجل ضحايا بلدي وكل الضحايا اﻷبرياء، وأدين من قام بهذه التفجيرات، كما أدين جيش العدو اﻷسدي، لكني لن أكون منافقاً لدرجة التعزية بضحايا “طنجرة” بوسطن، قبل أن يقدم الرئيس اﻷمريكي تعازيه بضحايا البراميل المتفجرة التي يسقطها جند اﻷجير اﻷسدي على رؤوس شعبي.
أحمد الشامي – فرنسا
ahmadshami29@yahoo.com
http://www.elaphblog.com/shamblog