a alh
لدى الأشخاص المصابين بالصمم الخلقي الفرصة للخلاص من دائهم عبر عملية ” زراعة الحلزون ” .
مباشرة عقب العملية الجراحية يصبح لدى المريض, دارة سمعية متكاملة قادرة على تلقي المنبه الحسي الصوتي بشكل صحيح ,ولكن المشكلة الأساسية التي سيعاني منها المريض هي القدرة على تحويل هذه المنبهات الواردة, إلى معلومات مفيدة يستطيع الدماغ تفسيرها واستعمالها.
هذا تماماً ما نعاني منه اليوم, فبعملية اسقاط بسيطة للمثل أعلاه على الواقع السوري, تجد أن المريض ” الشعب ” قد عاش دهراً طويلاً في ظل مملكة الصمت ” النظام القمعي ” , و احتاج إلى عمل جراحي كبير وهائل ” الثورة ” ليحاول التخلص من دائه.
و لكن المُعطى النهائي من العملية لا يتحدد خلال العملية, و لا عقب العملية مباشرةً, و لا حتى على المدى المتوسط, و انما يتحدد النجاح و الفشل على المدى البعيد, تماماً كحال الثورة التي يحدد نجاحها وفشلها الزمن و الايام.
ان التدريب المكثف الذي يحتاجه المريض لإعادة تمكين قدراته العقلية, من الترجمة الصحيحة للمؤثرات الصوتية التي تتلقاها أذناه هو الشرط الأساسي لتحقيق النجاح و اعتبار العمل الجراحي مفيداُ.
طبعاً هذا التدريب يجب أن يتم على أيدي خبراء يمتلكون المعرفة الكافية بهذا الموضوع, و هو في العادة يتطلب زمناً و جهداً هائلاً, وأغلب الظن أن النتائج الأولية تكون محبطة للمريض و أهله, و هذا بالطبع رغم الشرح المكثف الذي يتلقاه المقبل على اجراء الجراحة, و يعود الاحباط في أغلبه لارتفاع سقف التوقعات المنتظرة من العمل الجراحي و هو عادةً ينتج عن اصطدام الآمال مع الوقائع.
تماماً هذا ما جرى مع الثورة فعلى الرغم من أن العملية لا تزال جاريه فقد أصاب الاحباط الكثيرين و يعود أغلب الاحباط إلى الطموحات الكبيرة المعلقة بالثورة من ناحية و المثالية الغبية و التي تكاد تصل للخرافة بطريقة مقاربة الاحداث و الوقائع .
ان هذا المريض و عقب الجراحة قد يشعر بالألم الشديد و الانزعاج ألهائل و أغلب هذا العجز ينتج عن الفيضان الهائل من الأصوات عقب الصمت المدقع الذي اعتاد الحياة فيه و ينتابه الشعور – الناتج عن ألفته الطويلة للصمت – بأن عالم الأصوات هو وهم مزعج لا يعرف لماذا أراده, بل و يبدأ بالشعور بالإشفاق على هؤلاء الذين يسمعون و الذين لم يتمتعوا يوماً بالسلام الطويل الذي عاشه مع دائه.
و هذا هو تماماً ما يحصل اليوم فكثيرٌ قد فقدوا صوابهم أو يكادون, و تعلوا أفكارهم : فالحرية التي طالما سمعوا الآخرين يمدحونها و يبذلون الدم للوصول لها, لا تستحق كل هذا, فقد كنا نحيا قبلها, ثم ان كل هؤلاء الناس في الحقيقة لا يستحقون هذه الحرية انهم في الحقيقة بحاجة للعودة إلى الصمت لنستطيع الحياة.
في الحقيقة ان المريض قد يموت, و قد تفشل العملية دون أن يموت المريض, و لكن لا يجب بأي حالٍ من الأحوال أن تمنعنا احتمالات الفشل من أن نفعل ما يجب فعله, بل يجب أن نبذل كل ما نستطيع لعلنا نحصل على النتائج المرجوة و نترك النتيجة عقب بذل الجهد لتحددها لنا الأقدار.