في بداية الثمانينات الميلادية حصل الانهيار الاكبر لليرة السورية, فبعد ان كان الدولار الاميركي الواحد يشتري اقل من أربع ليرات أصبح يشتري حوالي الخمسين ليرة و ذلك الانهيار السعري قد حصل خلال فترة ليست بالطويلة.
طبعاً لفهم ما يحصل بالنسسبة لليرة السورية حالياً سأتكلم قليلاً عن ” العملة ” بشكل عام و ذلك بمحاولة لتقريب الموضوع للأذهان.
يعرف الاقتصاديون النقود بانها أي شيء مقبول قبولاً عاماً للدفع من أجل الحصول على السلع أو الخدمات الاقتصادية,و نظراً للانتقال من نظام النقد الحقيقي القائم على الذهب و الفضة كوسيلة عالمية للدفع, إلى نظام يطلق عليه
” Fiat money ” حيث تستمد العملة أو النقد قيمته من قوانين الحكومات و انظمتها ( كلمة Fiat هنا مشتقة من الاصل اللاتيني وتعني بالعربية سيكون أو دعه يكون ” .
أي أن نقود الفيات لا تعدو كونها قطعة من الورق قيمتها تعادل ما تخبرك الحكومة أنها تساويها !!
ان قيمة أي نقد فيات الحقيقية تأتي من الايمان البسيط لآولئك الاشخاص الذين يقبلونها كوسيلة للدفع.
و قد حصل الافتراق الاشهر بين النقد الحقيقي و نقد الفيات عام 1971 في الولايات المتحدة الامريكية, حين أصدر الرئيس الامريكي نكسون القرار القاضي بفصل الدولار عن الذهب, أي أنه لم يعد بالإمكان تحويل الدولار إلى ذهب.
و لكن نظام الفيات للعملات يحتوي على امكانية خطيرة للغاية, حيث يحق للحكومات طباعة الكمية التي تريدها دون عبء ايجاد الذهب الضروري لدعم الكميات الهائلة التي يقومون بطباعتها.
و هكذا تقوم الحكومات بطباعة المليارات من العملة و التي تؤدي إلى جعل قيمتها تساوي أقل و اقل.
و هنا نأتي إلى التاريخ و الذي يخبرنا أنه لا يمكن لنقد الفيات أن يصمد امام اختبار الزمن, و ذلك منذ أول تجربة لهذا النظام النقدي في الصين في القرن الحادي عشر والتي باءت بالفشل الذريع.
و قد قام أحد المواقع المتخصصة دراسة عملات ما يزيد عن 700 من عملات الفيات فوصل للنتائج التالية:
متوسط عمر العملة حوالي 30 سنة .
حوالي 600 من هذه العملات لم يعد حالياً موجوداً بالتداول, و بعضها احتاج فقط لشهور للفشل.
و بعضها احتاج لقرون, و لكن كيف ماتت هذه العملات :
دمرت بفرط التضخم 20% : وهي طباعة كميات هائلة من النقد مما يؤدي لارتفاع نسبة التضخم بما يزيد عن 50% شهرياً.
دمرت بفعل الحرب 21% : حيث يتم الاعلان عن انتفاء قيمة العملة اما بالتحرر أو بالاحتلال.
انتهت نتيجة اجراءات الاستقلال 12% : حيث المستعمرات السابقة تتخلص من عملتها اما بالإصلاحات النقدية أو بالاستبدال بعملة جديدة.
انتهت بفعل اصلاحات نقدية 24% : و ذلك عبر الاتحادات النقدية مثل تشكل اليورو عام 1999 و انشاء الدولار الامريكي عام 1792.
وفي النهاية لا تزال نسبة 23% : من هذه العملات متداولة, و لكنها في طريقها للفناء, واشهر واقدم عملتين هما الجنيه الاسترليني و الدولار الامريكي.
و المخطط البياني التالي يوضح الاسباب السابقة:
و لكن في الحقيقة لا يمكن الحديث عن سبب واحد لموت العملة, فالحقيقة أن هذه العملية بحاجة لاشتراك العديد من العوامل السابقة و التي تبدو كسلسة متصلة كلاً منها يقود للحلقة التالية أو يكرر نفسه.
و قد يجادل البعض عن حقيقة موت الجنيه الاسترليني (و الذي يعتبر العملة الاقدم في العالم بعمر يتجاوز القرون العديدة) و الدولار الامريكي و هاكم الحقيقة:
لقد فقد الجنيه الاسترليني 99 % من قيمته منذ بداية تداوله.
و بالنسبة للدولار الامريكي فقد زادت الكميات المتداولة منذ عام 1971 و حتى عام 2008 حوالي سبعة عشر ضعفاً.
مما أدى إلى انخفاض بنسبة 81 % بالقوة الشرائية للدولار .
نعود إلى الليرة السورية ولنطبق الشرح المسبق أعلاه على واقع الليرة السورية, ولنحاول أن نرى أيّ مستقبلٍ ينتظرها:
فالنظام السوري و الشعب السوري اليوم هو في حالة حرب شاملة حيث الجميع يحارب الجميع.
و هذه الحرب الهائلة يتم تمويل تكلفتها العالية عبر التضخم المفرط من قبل النظام .
و نظراً لتكلفة هذه الحرب فالمتوقع أن تكون الحكومة السورية ترزح تحت عبئ ضخم من الديون( ولكن و نظراً لانعدام المعلومات الصادقة فلا يمكننا ان نضع الرقم الحقيقي لهذا الدين و لكن يمكن توقع ان يكون الدين قد ناهز الخمسين مليار دولار ) و عبر التاريخ, كيف تجيب الحكومات على الديون الهائلة التي توقع نفسها تحت وطأتها :
الجواب ببساطة هو من خلال طباعة المزيد من النقود.
طبعاً يمكنكم الحديث مطولاً عن النكهة الخاصة لاحتضار الليرة السورية, كوقاحة النظام في سلوكياته التمويلية, و الثقة التي لم توجد أصلاً بين المواطن و الليرة التي تحمل صورة ” العراب الاب ” , و سخافات السذج من مؤيدي النظام والذين خسر الكثير منهم كل ما جنى عبر ” دعم العملة الوطنية والتي كان الذراع الفاسد للدولة المافيوية يقوم بالاجهاز عليها !
هل ما قرأتموه سابقاً في السطور اعلاه هو السيناريو الذي عشناه منذ بدء الثورة و شاهدنا فيه الليرة السورية تمر في هذا المسلسل ؟
اذاً و من خلال المعطيات السابقة و الشرح المفصل لما حصل سابقاً لكثير من العملات, فهل يمكننا القول أن الليرة السورية الحالية تتجه إلى النهاية المحتومة ؟؟
و ما الذي سيحصل لاحقاً ؟؟
A.ALH