من المؤكد أن ثورتنا السورية تعرضت لمحاولات خارجية حثيثة وجاهدة لإفشالها وإحباطها منذ أن بدأت، ولربما كان هذا سبباً من أسباب تأخير النصر الذي انتظره الشعب منذ ما يربو على السنتين، ولكنه بالتأكيد ليس السبب الوحيد، فالإنصاف يقول: أن سبباً عظيماً من أسباب تأخر النصر يتمثل في “قل هو من عند أنفسكم” !
ولأن النقد “الهادف” بدون تجريح أو إساءة هو صفة نبيلة تمكننا دوماً من تصحيح مسارنا وتقويمه فقد كتبت هذا المقال .. ولقد تعمدت كتابة مثل هذه المقدمة في البداية لأبرئ نفسي في البداية من اتهاماتٍ قد يصدرها البعض تجاهي، فلست أحمل أحقاداً أو كرهاً لشخصيةٍ ما، ولست ناقماً على أي تيارٍ من التيارات، ولكنني أكتب فقط رغبةً في تصحيح المسار وإعادة التوجيه ..
سأكتب اليوم بالتحديد عن النخب السياسية المتحدثة باسم الثورة السورية، فما هي قيمة هذه النخب بأجمعها ؟! وكيف لنا أن نتجاوز هذه النخب ويكون لنا متحدثين باسم الثورة يمثلونها حقيقةً ؟!
نعلم جميعاً أن النخب السياسية بمجملها هي شخصيات معارضة عاشت طوال عمرها في الخارج، فقد قضى هؤلاء “غالباً” سنين عمرهم الأولى في الوطن ثم خرجوا منه “راغبين أو مُكرهين”، الفكرة هنا تكمن في إمكانية أن تعكس هذه الشخصيات رغبات وطموحات أبناء الثورة الحقيقيين في الداخل .. فهل هذا ممكن ؟ وأعقب هنا : أن هذا مستحيل تماماً ! لأن من عاش أغلب عقود عمره خارج الوطن وبدأت الثورة وهو لم يلمس حاجات الشعب الحقيقية ولم يعايشها فلست أتصور أنه من الممكن أن يُمثّل هذه الثورة .. وهنا أنا لا أقلل من وطنية المغتربين السوريين “وأنا منهم” ولكنني أتحدث عن واقع ومنطق وكيف أن الفشل حليف من يمثّل الثورة وهو لا يعرف عن واقعها الداخلي شيئاً ..
ولقد كتبت مقالاً حينما تمّ تشكيل الائتلاف بعنوان: ما أتمناه من الائتلاف، متفائلاً حينها بالائتلاف وبما يمكن أن يقدمه للثورة، وركزت فيه على وجوب العمل من الداخل، واعتبرت أنه هو السبيل الوحيد كي تزداد شعبية الائتلاف، ولكن بالطبع لم يتحقق هذا، فقد رأينا أن مركز عمليات الائتلاف هو فنادق “اسطنبول” ! فلم يكتفِ القائمون على أكبر تكتل سياسي في الثورة بأنهم قضوا طول عمرهم في الخارج بل أيضاً نراهم يريدون أن يُديروا الثورة من الخارج كذلك ! وهذا برأيي قمة السخف ومستوى عالي من الفشل ..!
أضف إلى ذلك أن جميعنا يعلم أن الثورة بدأها أطفال في درعا لم يتجاوزوا الثمانية عشر ربيعاً، وأن الثورة ما كان لها أن تصمد هذا الصمود الأسطوري لولا الشباب السوري البطل، ولربما كانت هذه سمة غالبة في ثورات الربيع العربي، والناظر لحال ثورتنا على وجه الخصوص يرى غلبة العنصر الشبابي في كل حلقةٍ من حلقات الثورة بسلميتها وعسكريتها، ولكن النخب السياسية السورية بمجملها هي نخب كهولية وطاعنة في السن ولا تستطيع أن تعبر “برأيي” عمّا يريده الشباب وما يتطلع إليه، ولربما كانت هذه المشكلة أيضاً ظاهرة في كل بلاد “الربيع العربي” ..
كما أن تعدد الأجسام السياسية “التي تزيد يوماً بعد يوم !” عقبة في تحقيق ما يعود بالفائدة على هذه الثورة، فتعدد الأجسام ينتج عنه تعدد مصادر التمويل ! وتعدد مصادر التمويل ينتج عنه تعدد الآراء ثم الدخول في دوامةٍ من الفشل الذريع الذي لن ينتهي !
ثم وعندما تنتصر الثورة وتزيح هذا النظام، فهل من المتوقع أن تعود هذه النخب للوطن ويكون لها قوة حقيقية على الأرض؟! شخصياً متأكد من عدم إمكانية حدوث ذلك ! فشعبية التكتلات السياسية على الأرض هي صفر !
وهنا يجب عليّ أن أقول: أن الائتلاف لم يتشكل فعلاً لإيصال صوت الشعب السوري للخارج، ولكنه تشكّل لتمرير صفقات سياسية “دنيئة ورخيصة” وفرضها على الشعب السوري فرضاً كما يريد الممولون وكما تريد “الدول المانحة” .. ولست أتورع عن قول ذلك أو أخجل من قوله فهذا رأيي الحقيقي بالائتلاف ! فلقد مضى حتى اليوم ما يُناهز الثمانية أشهر منذ إعلان الائتلاف ولم نسمع عنه إلا الخلافات والشد والجذب والمعارك المستمرة بين القوى التي تريد الاستحواذ عليه !
علماً أن وجود معارضين وطنيين حقيقيين في الائتلاف أو غيره لا يمنع أن التوجه العام للائتلاف ككل هو السيطرة والاستحواذ والمناصب والأموال !
برأيي .. الخلاص يكمن في شخصية مُلهِمة وشجاعة من الداخل السوري تتوحد خلفها صفوف كتائب الجيش الحر المختلفة لدحر الكتائب والألوية العميلة والمشبوهة أولاً ثم الالتفات لتحرير الوطن بأسره والحفاظ على وحدته، وحينها يمكننا تشكيل مجلس سياسي نابع من الداخل ويتحدث باسم الداخل فقط بدون أي ضغوطات، ما زلت لا أرى الحل النهائي إلا بهذه الطريقة .. فمشكلتنا الرئيسية برأيي والتي عرف النظام كيف يلعب على وترها هو التشرذم .. فهل من معتبر ؟!
إبراهيم حسن
٢٠١٣/٦/٢١
fb.com/ibrahim.abaji